الصفحة الرئيسية  | رسالة حب الآب اليك  |   الله و انت   |  تغيرت حياتهم  |  من هو يسوع ؟  |  كلمات شافية  |   فلم حياة السيد المسيح | اتصل بنا  

 

ملاك الرب (5)

 

الفصل الحادي عشر

 

 

  نتابع في هذا الفصل تأملاتنا في دور السيد المسيح بصفته "ملاك الرب" في العهد القديم قبل تجسده.  وسنتناول اليوم وظيفته التشفعية التي تستمر في العهد الجديد.

معنى التشفع

التشفع في الكتاب المقدس هو التوسط لدى الله عن طريق المواجهة أو الصلاة من أجل فرد أو جماعة أو أمة.  ولقد لعب المسيح هذا الدور الشفاعي في العهد القديم في شخص ملاك الله.  وبين بذلك أنه ربط نفسه بالبشر متبني قضيتهم.  ولقد فعل هذا على نحو خاص مع بني إسرائيل قديم.

 

ملاك الرب يتشفع

نجد أحد الأمثلة على تشفع ملاك الرب في سفر زكريا.  يتشفع هنا ملاك الرب لدى الرب في بني إسرائيل الذين ضايقهم أعداؤهم.  يقول: "فأجاب ملاك الرب وقال: ’يا رب الجنود، إلى متى أنت لا ترحم أورشليم ومدن يهوذا التي غضبت عليها هذه السبعين سنة؟‘  فأجاب الرب الملاك الذي كلمْني (أي زكريا) بكلام طيب وكلام تعزية.  فقال لي الملاك الذي كلمني: ناد قائل: هكذا قال رب الجنود: غرت على أورشليم غيرة عظيمة. وأنا مغضب بغضب عظيم على الأمم المطمئنين.... قد رجعت إلى أورشليم بالمراحم.  فبيتي يبنى فيها... إن مدني تفيض بعد خير، والرب يعزي صهيون بعد، ويختار بعد أورشليم."زكريا 1: 12-17.

 

شفاعة ملاك الرب مؤكدة النجاح 

إن أول ما نلاحظه هنا هو أن ملاك الرب المتشفع يتحدث إلى الرب دون استخدام لغة التذلل التي يلج إليها الأدنى في مخاطبة الأعلى. ويرجع هذا إلى كون ملاك الرب نظير للرب في جوهر اللاهوت. ويشير زكريا نفسه في الإصحاح الثالث إلى أن اسم هذا الملاك هو الرب أو يهوه أيض."زكريا 3: 1-2  وعلى هذا فإنه الوحيد القادر على رفع حاجات الإنسان إلى الله, لأنه في مستواه.  ويعطيه وضْعه الفريد هذا دالة على الرب.  وهذا هو الضمان الأكيد لفاعلية شفاعته ونجاحها.  ولهذا فإن شفاعة الآخرين المزعومة غير مضمونة على الرغم من صلاحهم المزعوم.  فعلى سبيل المثال, يعلن الله في سفر إرميا15: 1 رفْضه لشفاعة مفترضة من النبيين موسى وصموئيل في شعب إسرائيل.  يقول: "إن وقف موسى وصموئيل أمامي, لا تكون نفسي نحو هذا الشعب."

 ويأتي هذا بنا إلى الملاحظة الثانية، ألا وهي أن الرب قبل فور شفاعة ملاك الرب الذي هو المسيح قبل تجسده.  ولا تسقط للمسيح شفاعة.  إذْ تمكنه وحدته مع الله أن يعرف موقف الله مسبق.  وهو يعرف قلبه وفكره وقصده.  وهو يعرف ما هو مقبول وما هو مرفوض لدى الله؛ وهو لا يطالب الله بالتنازل عن شيء من مقاييسه.  فمقاييس الله هي نفس المقاييس الشخصية للمسيح.  وهذه أمور لا تنطبق على غيره. وتوكيد لهذا, يقول المسيح لله,"أيها الآب, أشكرك لأنك سمعت لي, وأنا علمت أنك في كل حين تسمع لي." وتعبر إحدى المؤمنات بالمسيح بوحي الله عن ثقتها في هذه الحقيقة بقولها للمسيح في نفس الإصحاح,"أعلم أن كل ما تطلب من الله يعطيك الله إياه."يوحنا 11: 22

 

الشفيع يدفع ثمن دوره التشفعي 

هنالك تصورات خاطئة عن مفهوم الشفاعة.  فالشفاعة لا تسعى إلى إقناع الله بغض النظر عن الخطية ولا تقدم تبرير لها.  بل هي في واقع الأمر دافع مفترض لنا إلى التخلي عن حياة الخطية.  يقول يوحنا تلميذ المسيح ورسوله للمؤمنين: "يا أولادي، أكتب إليكم لكي لا تخطئوا.  وإن أخطأ أحد، فلنا شفيع عند الآب، (هو) يسوع المسيح البار.  وهو كفارة لخطايانا.  ليس لخطايانا فقط، بل لخطايا العالم كله." 1 يوحنا 2: 1-2.  وهكذا يتحمل الشفيع ثمن شفاعته، كل ما هو مطلوب من المشفوع فيه، أي تقديم كفارة عن خطاياه.  والإشارة هنا هي إلى موت المسيح على الصليب ليفدي البشر, الذي أهله للشفاعة.

 

تهدف الشفاعة إلى إظهار صلاح إرادة الله للبشر 

لا تهدف الشفاعة إلى الضغط على الله لإيقاف ممارسته لعدله ورفْع التأديب الضروري.  لكنها إظهار لضرورة التوازن بين متطلبات العدل والرحمة.  إنها إظهار للاهتمام بالأشخاص المتشفع فيهم من أجل إعطائهم فرصة لتصحيح مسارهم وإخراج أفضل ما فيهم.  إنها لا تهدف إلى تغيير إرادة الله، بل إلى إظهار صلاح هذه الإرادة للبشر.

 

التشفع من خلال الصلاة 

وتتضمن الشفاعة أيض رفْع صلوات عن المؤمنين الغافلين عن حاجاتهم الحقيقية.  لم يكن بطرس يعرف أنه محتاج إلى الثبات في إيمانه بالمسيح.  لم يكن يعرف حقيقة نفسه من الداخل وضعفها أمام امتحانات الإيمان القادمة، ظن أنه أقوى التلاميذ إيمان بسيده.  قال له: "وإن شك الجميع فيك فأنا لا أشك أبد."متى 26: 33.  وقال أيض للسيد: "يا رب، إني مستعد أن أمضي معك حتى إلى السجن وإلى الموت!"لوقا 22: 33.  قال له يسوع: "الحق أقول لك: إنك في هذه الليلة قبل أن يصبح ديك تنكرني ثلاث مرات."متى 26: 34.  غير أن السيد أخبر تلميذه بطرس بما لم يكن يعرفه.  قال له "لكني طلبت من أجلك لكي لا يفنى إيمانك."لوقا 22: 23.  وهكذا لا يقف السيد مكتوف اليدين إلى أن نعْلمه بحاجاتنا.  بل يأخذ زمام المبادرة بناء على علمه المسبق ويطلب إلى الله من أجلنا مسبق.

 

الروح القدس يشفع فينا من خلال الصلاة 

والشفاعة هي أيض رفع صلوات المؤمنين إلى الله حين يعجزون عن التعبير عن حاجاتهم أو ربما عندما لا يعرفونها.  وهذا هو أيض عمل الروح القدس الذي يسمى "روح يسوع المسيح" أو "روح المسيح" أو "روح ابنه."فيلبي 1: 19؛ 1 بطرس 1: 11؛ غلاطية 4: 6.  يقول الوحي: "ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا ينطق بها.  ولكن الذي يفحص القلوب يعلم ما هو اهتمام الروح، لأنه بحسب مشيئة الله يشفع في القديسين."رومية 8: 26-27.  وهكذا يحول روح المسيح أشواق أرواحنا وحاجاتنا الحقيقية إلى لغة يوصلها إلى الله.  وهو ينطلق في هذا من معرفته بما يعتمل في أرواحنا وفي نفس الله.  والشفاعة كما هو واضح هي حسب مشيئة الله.  فالمتشفع المعين من الله يطلب أشياء صالحة توافق الله.

 

الشفاعة محددة وفي أمور صالحة 

إن الشفاعة حسب مشيئة الله محددة لا عامة.  ينقلنا يسوع في الإصحاح السابع عشر حسب يوحنا إلى مشهد حي من مشاهد التشفع.  وهو يطلب إلى الله الآب عدة أمور:  يطلب أن يحفظ الآب التلاميذ في اسمه وفي وحدة مع.  "احفظْهم في اسمك الذين أعطيتني، ليكونوا واحد كما نحن واحد."يوحنا 17: 17: 11.  وهي نفس المهمة التي كان يفعلها يسوع.  "كنت أحفظهم في اسمك." يوحنا 17: 12.  ثاني، يطلب إلى الآب أن يحفظهم من الشرير."يوحنا 17: 15.  ثالث، يطلب أن يملهم بفرحه.  يقول: "أتكلم بهذا في العالم ليكون لهم فرحي كامل." يوحنا 7: 13.  رابع، يطلب إليه أن يقدسهم في الحق: "قدسهم في حقك، كلامك هو حق."يوحنا 17:17.  هذه إذ شفاعة تأخذ في اعتبارها أكثر ما يهم الله ويحتاجه المؤمن.

 

المحبة هي دافع الشفاعة

يتحدث العهد القديم عن دوافع ملاك الرب في تعامله مع جماعة المؤمنين.  يقول: "في كل ضيقهم تضايق، وملاك حضرته خلصهم بمحبته ورأفته.  هو فكهم ورفعهم وحملهم كل الأيام القديمة."إشعياء 63: 9.  ما كان الله ليهتم بالحديث عن عواطف ملاك الحضرة هذا لو كان ملاك عادي ليس له دور إل تنفيذ أوامر الله.  وإن ما يهمنا هو عواطف المحبة والرأفة التي يصورها الوحي في قلب ملاك الحضرة الإلهي.  فهو شفيع محب لدى الله المحب.  ولا يتشفع إل من يحب.  ولا يجوز أن نتصور أن الشفاعة تأتي من مسيح محب إلى إله أقل حب.  فالله محبة. 1 يوحنا 4: 9.  والله هو الذي أحب البشر حتى بذل ابنه الوحيد فداء لهم.يوحنا 3: 16.  بل إن هذا الله الآب يحب المؤمنين نفس محبته للمسيح.  قال المسيح مخاطب أباه السماوي: "أحببتني كما أحببتهم." يوحنا 18 17: 23.

 

الشفاعة ليست سلبية 

غير أن الأمر الثاني الواضح هنا هو أن ملاك الحضرة يتحرك للإنقاذ والتحرير والحماية والحفظ بمبادرة منه.  ليست شفاعته شفاعة سلبية يقف أثناءها مكتوف اليدين.  لكنه يتحرك بصفته الإلهية أيض لعمل ما يراه ضروري.  ويتضمن هذا البعد مشاركة المسيح نفسه في استجابة صلوات المؤمنين.  يقول السيد لتلاميذه: "ومهما سألتم باسمي فذلك أفعله ليتمجد الآب بالابن.  إن سألتم شيئ باسمي فإني أفعله."يوحنا 14: 13.  وهكذا يشجع السيد تلاميذه هنا على أن يقدموا طلباتهم إلى الله باسمه. ويدل الاسم هنا على ذاك الذي يعترف الله بشفاعته وسلطته.  لكن الأمر المثير للدهشة والفرح هنا هو أن المسيح نفسه يستجيب لهذه الطلبات مع أنها مرفوعة إلى الله الآب.  وفضل عن ذلك, يقدم السيد لتلاميذه تحدي مذهل, ألا وهو أن يطلبوا أي شيء مهما كان عظيم وخارق أو بادي الاستحالة باسمه, وهو يعد بأن يحققه.  فلا توجد طلْبة أعظم من أن يحققها المسيح ما دامت وفق إرادة الله وتمجده.  ويشير هذا بقوة إلى أنه القادر على كل شيء.  

 

الشفاعة مقصورة على المسيح

إن وظيفة الشفيع معينة من الله ومقصورة على المسيح.  ولا يقبل الله من ينصبهم الناس شفعاء من دون المسيح.  يقول بولس رسول المسيح بوحي الله: "لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس (هو) الإنسان يسوع المسيح." 1 تيموثاوس 2: 5.  لقد تجسد الله في المسيح.  فصار لحم ودم.  فهو الله في كامل لاهوته والإنسان في كامل ناسوته دون خطية.  وهو لهذا قادر على تمثيل طرفي الشفاعة تمثيل كامل.  وهو يعمل من أجل مصلحة الطرفين في نفس الوقت.  فبر الله مأخوذ في الاعتبار، وفتْح المجال أمام عمل الله في حياة الإنسان هو نصْب العينين.  يعرف ضعف الإنسان المجرب ويستطيع أن يقدم له العون.  وهما أمران يعجز عنهما البشر.   يستطيع أن يسمع الجميع في نفس الوقت ويقرر لا ما ينفعنا فحسب, بل ما يضرنا أيض.  إنه رئيس كهنتنا الوحيد.  "لأنه في ما هو تألم مجرب يقدر أن يعيْن المجربين."عبرانيين 2: 18.  وهو دائم في حضرة الله عن يمينه.  يقول الوحي: "من هو الذي يدين؟  المسيح هو الذي مات، بل بالحري قام أيض، الذي هو أيض عن يمين الله، الذي أيض يشفع فينا."رومية 8: 34.  إنه شفيع حي دائم، ولا يمنعه شيء من ممارسة دوره.  يقول، "فمن ثم يقدر أن يخلص أيض إلى التمام الذي يتقدمون به إلى الله.  إذ هو حي في كل حين ليشفع فيهم."عبرانيين 7: 25.

 

وجود شفيع محب مقتدر أمر مطمئن 

ألا تتفق معي على أن وجود شفيع متفهم قادر كهذا يملنا بإحساس عميق بالفرح والثقة  والأمان!؟

 

لا وسيط بين البشر والمسيح 

ويبقى أن نقول إن الله هو الذي يطلب وسيط إليه.  أما المسيح فلا يحتاج إلى وسيط منا. فالوساطة هي عمله واختصاصه.  ولم يثْبتْ بعد-ولن يثْبت أبد- أن المسيح قصر أو يحتاج إلى عون من أحد في هذا المجال.  ولهذا لا معنى لأن يتخذ بعضهم من القديسين سلالم للوصول إليه.  فمن شأن هذا أن يضعف من علاقتنا الشخصية  المباشرة مع المسيح ويؤثر سلْب في اعتمادنا عليه.  ولنتذكرْ أن الله لا يعطي مجده لآخر. وفضل عن ذلك، فإن المسيح يسكن قلب المؤمن بروحه.  فهو قريب منه قرب أي قديس آخر. وقد علمنا المسيح على الدوام أن نأتي إليه لأنه هو الملج وعنده كل مورد للعون.  قال:"تعالوا إلي"متى 11: 28, ولم يوجهْنا إلى آخرين.  وليس أحد أكثر منه تحنن علينا أو أفضل قدرة على سد حاجاتنا.  ولا يوجد في كلمة الله ما يشير إلى أن لصلواتهم من أجل المؤمنين مفعول استثنائي.  وإن من السذاجة أن نعتقد أن صلوات هؤلاء المفترضة يمكن أن تغير إرادة الله فتجعله يوافق على أن يعطينا ما كان يمنعه عنا.  صحيح أن كلمة الله تعلمنا أن الرسل القديسين كانوا بدافع من مسؤوليتهم وتثقلهم ومركزهم يصلون وهم أحياء من أجل إخوتهم المؤمنين كما صلى بولس نفسه من أجل مؤمني أفسس.أفسس 1: 15-23  لكنها تعلمنا أيض أن هؤلاء كانوا يحتاجون هم أيض في ضعفهم ومحدوديتهم كبشر إلى صلوات هؤلاء المؤمنين إخوتهم.  فقد طلب بولس نفسه من نفس مؤمني أفسس الذين صلى من أجلهم أن يصلوا من أجل حاجات القديسين الآخرين وحاجاته: "مصلين بكل صلاة وطلْبة كل وقت في الروح, وساهرين لهذا بعينه بكل مواظبة وطلبة لأجل جميع القديسين ولأجلي, لكي يعطى لي كلام عند افتتاح فمي, لأعلم جهار بسر الإنجيل, الذي لأجله أنا سفير في سلاسل, لكي أجاهر فيه كما يجب أن أتكلم." أفسس 6: 18-20

 

أسئلة الفصل الحادي عشر

ما هي مؤهلات المسيح للشفاعة في البشر؟

لماذا لا نحتاج إلى وسيط بيننا وبين المسيح؟ اذكر سببين على الأقل.

أعطِ مثلاً من الكتاب المقدس على احتياج رسل المسيح إلى شفاعة المؤمنين العاديين؟

 


www.agape-jordan.com - 2005