الصفحة الرئيسية  | رسالة حب الآب اليك  |   الله و انت   |  تغيرت حياتهم  |  من هو يسوع ؟  |  كلمات شافية  |   فلم حياة السيد المسيح | اتصل بنا  

 

ملاك الرب (7)

الفصل الثالث عشر

 

نتابع في هذا الفصل اليوم تأملاتنا في الدور الذي لعبه المسيح بصفته "ملاك الرب" في العهد القديم.  وسنركز هنا على دوره كصانع للعهود.

 

خان بنو إسرائيل عهد ملاك الرب

إنه لأمر جدير بالذكر أن ملاك الرب يدعى أيضا "ملاك العهد"، كما في سفر ملاخي.ملاخي 3: 1.  ولعل السبب في ذلك يعود إلى أنه هو الذي قطع العهود مع بني إسرائيل.  لنستمع إلى ما يقوله الوحي الإلهي: "وصعد ملاك الرب من الجلجال إلى بوكيم وقال: ’قد أصعدتكم من مصر، وأتيت بكم إلى الأرض التي أقسمت لآبائكم، وقلت: لا أنكث عهدي معكم إلى الأبد.  وأنتم فلا تقطعوا عهد مع سكان هذه الأرض.  اهدموا مذابحهم.  ولم تسمعوا لصوتي.  فماذا عملتم؟  فقلت أيض: لا أطردهم من أمامكم، بل يكونون لكم مضايقين."قضاة 2: 1-3.

 

حررهم وقادهم وأعطاهم أرض

يبين هذا المقطع الكتابي الأهمية المركزية لملاك الرب في العهد القديم.  ويتضح هذا من عدة أمور.  أول، إن ملاك الرب، أي المسيح قبل تجسده، هو الذي حرر بني إسرائيل قديم من العبودية في مصر.  وهو الذي أخرجهم منها بقوته وعجائبه.  وهو لهذا نفس الذي يقول عنه بنو إسرائيل إنه أنقذهم وطلقهم.  ثاني، هو الذي أقسم أن يعطي الأرض لآبائهم قديم.  ويعني هذا أنه يتصرف انطلاق من سيادة مطلقة.  فالأرض كلها له، وهو يعطيها لمن يشاء.  وقد سبق أن قلنا إنه اكتسب هذا الحق من كونه خالق كل شيء.  ثالث، هو الذي جاء بهم إلى تلك الأرض.  رابع، هو الذي قطع معهم العهد القديم.

 

وضعهم موضع المساءلة

وقد وعد ملاك الرب فأوفى بالجزء الخاص به من العهد.  فهو أمين لوعوده.  رابع، جعل بني إسرائيل مسؤولين أمامه شخصي عن الوفاء بتلك العهود.  فحرم عليهم أن يدخلوا في عهود مع أي شعب تتناقض مع العهد الذي قطعه معهم ووافقوا عليه.  فلا يجوز لهم مثل أن يقطعوا عهد مع أمة أخرى يتبنون بموجبه أو نتيجة له ممارسات وتثنية أو آلهة خرى.  خامس، مارس ملاك الرب حقه في محاسبتهم.  فبعد أن أحجموا عن طاعته، قرر في سيادته وسلطته أن يبقى تلك الشعوب الوثنية حيث هي.  وجاء هذا توضيح عملي لكيفية تحكمه في التاريخ ومصائر الشعوب.  فكان ذلك بمثابة دينونة منه عليهم تهدف إلى جعلهم يحسون بالضيق إلى أن يرجعوا إليه.  لم تكن دينونته المؤقتة تلك مدفوعة ببغض أو رغبة في الانتقام، بل برغبته في أن يراهم يعودون إلى صوابهم.  كان هذا تطبيق عملي لحقه في ممارسة بوته الصالحة.

 

هو الذي قطع العهد معهم

إن الأمر الواضح هنا هو أن العهد تم بصورة شخصية بين ملاك الرب نفسه وبين جماعة المؤمنين.  فلم يكن ملاك الرب يأخذ أوامره من سلطة عليا، ولم يكن يتصرف كنائب عن غيره في أمر لا يخصه.  فالشأن هو شأنه، والقرار الفصل هو له.

سنقصر حديثنا هنا، لضيق المجال، عن العهد المشار إليه في النص السابق، أي العهد الذي قطعه ملاك الرب مع موسى.  ولن نتطرق إلى العهود مع آدم ونوح وإبراهيم وداود.

 

معنى العهد وشكله

العهد هو بيان واضح بمقاصد الله ونواياه يعبر عن التزامه به وبتنفيذ ما ورد فيه بقسم من عنده.انظر مثل تكوين 22: 15-18  وقد يتضمن العهد، كما هو الحال في العهد مع موسى، توضيح من الله للواجبات المتوقعة من الطرف الذي يقطع الرب عهد معه.  فقد طلب منهم مثل التقيد بالوصايا العشر.تكوين 20: 3-17.  ويتضمن العهد أيض إيضاح للطريقة التي سوف يستجيب بها الرب في كل جيل بناء على طاعتهم أو عصيانهم.  إذ سيكافئ المطيعين بالبركات، وسيعاقب العصاة باللعنات. انظر خروج 23: 20-23.  ولا بد أن يتضمن العهد قبل هذا كله تعريف بالطرف الأقوى من العهد وبأعماله العظيمة.  يقول الله مثل: "أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر، من بيت العبودية."خروج 20: 2.  وهذا هو ما يعطيه الحق في المطالبة بقطع عهد هو في مصلحة الطرفين.  لم يجئ عهده معهم إل بعد أن خلصهم.  ولهذا توقع منهم أن يقدروا ما فعله من أجلهم ويحافظوا على التزاماتهم وواجباتهم نحوه.  ومن الجدير بالذكر أنه لم يدخل في عهد معهم رغم عنهم.  فلا يوجد من يساق إلى الجنة بسلاسل، وليس هناك من يخلص دون إرادته.  ولا يوجد عهد لا يرضى عنه الطرفان.  ولهذا تعهد الشعب قائلين: "كل ما تكلم به الرب نفعل ونسمع له."خروج 24: 7.  وقد أعلن موسى افتتاح هذا العهد القديم بأن رش من دم الذبائح على الشعب وقال:"هوذا دم العهد الذي قطعه الرب معكم."خروج 24: 8.

 

الشريعة وحدة واحدة

أتسم العهد الموسوي بوجود الوصايا التي تسمى "الشريعة" أحيان.  كانت تلك الوصايا مقدسة لأنها تعكس طبيعة الله القدوس.  وكان ينظر إليها كوحدة واحدة لا تتجزأ.  وكان كسر الفرد لوصية واحدة كافي لاعتباره كاسر للشريعة كلها.  يقول الوحي الإلهي: "لأن من حفظ كل الناموس، وإنما عثر في واحدة، فقد صار مجرم في الكل."يعقوب 2: 10.  وكان أمر مستحيل أن لا يكسر أحد واحدة من الوصايا أو أكثر، جالب على نفسه بهذا دينونة الله القدوس.  ويمكن تشبيه الأمر بشخص معلق إلى السقف بسلسلة من عشر حلقات.  فإذا انكسرت أية حلقة منها وقع على الأرض.

 

إقامة نظام الذبائح

أدى هذا إلى إبراز عدة أمور.  أول، زاد اقتناع الإنسان بأن عليه أن يبذل مزيد من الجهود الشخصية للوصول إلى مستوى الكمال؛ فكما تقول كلمة الله: "إن الإنسان الذي يفعلها سيحيا بها." رومية 10: 5,.  ثاني، بعد أن بذل الإنسان كل جهد ممكن, أدرك عجزه عن ذلك.  فكان يكسر الشريعة المقدسة.  ثالث، رأى الله سلف ضرورة إقامة نظام للذبائح للتكفير عن الخطايا التي يرتكبها المؤمنون.  فكانت تلك الذبائح محدودة في قيمتها الفعلية؛ إذ لا يمكن أن تعادل قيمة الذبيحة الحيوانية قيمة الإنسان المخلوق على صورة الله.  يقول الوحي: "لأنه لا يمكن أن دم ثيران وتيوس يرفع خطاي."عبرانيين 10: 4.  لكن تلك الذبائح أخذت قيمتها من كونها صورة رمزية مسبقة للذبيحة العظمى التي سيقدمها المسيح، ألا وهي حياته نفسها.  يقول:"لأن الناموس، إذ له ظل (أي هو رمز) الخيرات العتيدة لا نفس صورة (أي جوهر) الأشياء، لا يقدر أبد بنفس الذبائح كل سنة، التي يقدمونها على الدوام، أن يكمل الذين يتقدمون."عبرانيين 10: 1.  فكان وجود النظام الذبيحي تذكير دائم لمقدمي الذبائح بحاجتهم إلى من يكفر عن خطاياهم بصورة نهائية حاسمة.  وعندما جاء المرموز إليه، أي المسيح، بطلت الحاجة إلى الرمز، أي نظام الذبائح.

 

أكمل يسوع الذبائح التي رمزت إليه

وجاء المسيح، الله المتجسد.  فلم يعد ضروري أن يظهر في صورة ملاك الرب.  وجاء المسيح، فذهبت الذبائح.  فقد وصل الحمل الذي قدمه الله نفسه.  قال يوحنا المعمدان بوحي الله عن المسيح: "هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم." يوحنا 1: 29.  ولهذا كانت ذبيحة هذا الحمل الإلهي كاملة ووافية.  فهي ذبيحة تقدم عن كل البشر لأنها تفوقهم مجتمعين قيمة ووزن.  وهي تأخذ قيمتها غير المحدودة من كون المسيح كامل اللاهوت.

 

بغير ذبيحة المسيح لا يوجد غفران

كان لا بد أن يسفك دم المسيح من أجل مغفرة خطايا البشر في افتتاح العهد الجديد.  يقول الوحي: "بدون سفك دم لا تحصل مغفرة."عبرانيين 9: 22.  هذا الدم فريد وطاهر وثمين إلى حد لا يقاس.  ويؤكد ذلك بطرس تلميذ المسيح ورسوله هذا الأمر. يقول:" عالمين أنكم افتديتم لا بأشياء تفنى، بفضة أو ذهب، من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الآباء.  بل بدم كريم، كما من حمل بلا عيب ولا دنس، دم المسيح."1 بطرس 1: 18-19.  ويطلعنا بولس, الرسول المختار, على هوية هذا الدم لكي نقدر قيمته.  يقول مودع مؤمني كنيسة أفسس: "احترزوا إذ لأنفسكم ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة، لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه." أعمال 20: 28.  فالمسيح هو الله، ودمه هو بالتالي دم الله التجسد.  وبالتالي لا يجب أن يستخف أحد بدم المسيح.

 

ذبيحة المسيح هي من أجل كل العالم

كانت الذبيحة التي قدمها يسوع جسده ودمه من أجل كل العالم.  لم تكن ذبيحته محدودة الفاعلية ولا مقصورة على أمة دون أخرى.  لكنها ذبيحة يستفيد منها كل من يقبلها.  فقد جاء لكي يرفع "خطية العالم" كما قال يوحنا المعمدان.  وإن أجمل ما في عهد المسيح الجديد أنه يبدأ بمنح الغفران الفوري الكامل لمن يؤمن به ويقبله.  تقول كلمة الله:  "وفيما هم يأكلون، أخذ يسوع الخبز، وبارك وكسر وأعطى التلاميذ وقال: ,خذوا كلوا.  هذا هو جسدي.‘  وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائل: ’اشربوا منها كلكم، لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا."متى 26: 26-28.  ويتضمن هذا أن خلاصنا يتم من لحظة إيماننا بالمسيح.  ويذكرنا وجود المائدة المقدسة على الدوام أنه لا دور لنا في الخلاص, وأنه من عمل المسيح وحده.  ويعني أيض أن هذا الخلاص يعتمد بشكل كامل على ما فعله هو، لا على ما نفعله نحن.  إنه خلاص مجاني لا يشترى بأعمال صالحة من أي نوع.  ولسوف نتوسع في هذا الأمر في الفصل القادم.

 

يريدنا المسيح أن نتذكر العهد الجديد الذي قطعه معنا

غير أن الملفت للنظر هنا هو أن المسيح يطلب إلى المؤمنين أن يتذكروه ويتذكروا موته الفدائي من أجلهم.  وهم يقومون بهذا بالفعل في أعمق جزء من عبادتهم.  وما كان المسيح ليطلب هذا، وما كان المؤمنون ليطيعوه، لولا أنه الله في الجوهر.  فالمائدة المقدسة برهان دامغ على لاهوته. 

ومما يضفي رهبة وهيبة وجلال على هذه الفريضة الإرشادات والتنبيهات والإنذارات من القيام بها بأي استخفاف أو استهانة.  وهنالك غرضان رئيسيان لهذه الفريضة المقدسة, كما يذكرنا الوحي الإلهي في الإصحاح الحادي عشر من الرسالة إلى أهل كورنثوس.  الغرض الأول هو أن تذكرنا بافتداء المسيح لنا وموته عنا.  فما أقصر الذاكرة البشرية في ما يتعلق بأفضال الله ونعمه, حتى أعمقها وأثمنها!  أما الغرض الرئيسي الثاني فهو أن نتذكر بالتالي أن نخبر الآخرين عن موته من أجلهم.  فنحن أمام عمل فداء عظيم لا يجوز السكوت عنه, فداء يحتاج إليه كل بشر.. ويبذل كاتب الوحي كل جهد لجعلنا ندرك عظم المرموز إليه في الفريضة. فهو ينبهنا إلى أن الخبز المكسور يمثل جسد الرب نفسه, وأن الكأس تمثل دم الرب نفسه الذي سفك من أجلنا.  يجب على من يريد الاقتراب من هذه المائدة "أن يمتحن نفسه" أول, ليتأكد أنه لا توجد في حياته حسب علمه أية خطية لم يعترف بها لله تائب عنها.  فوجود مثل هذه الخطية مانع للاقتراب من جسد الرب.  وهكذا يميز "جسد الرب", أي يعامله بما يليق به من قداسة.  أما الذين يستخفون بهذه الفريضة ويقومون بها كيفما اتفق, فبعضهم يصاب بأمراض وبعضهم يقطع من الحياة.  يقول الوحي مخاطب المستهينين,"من أجل هذا فيكم كثيرون مرضى وكثيرون يرقدون."  وما كان لهذا كله مبرر أو داع لو لم يكن المسيح الله متجسد.

وتحذر كلمة الله في بداية نفس الإصحاح من الاقتراب إلى المائدة المقدسة في وجود أي خصام أو انشقاق.  وهذا بطبيعة الحال أمر مفهوم.  فجسد المسيح كسر لكي نلتئم نحن ونكون جسد واحد غير مكسور.  وهكذا يدعو المسيح كل المؤمنين الحقيقيين به إلى أن يعيشوا الوحدة التي دفع هو بنفسه ثمنها.  وعليهم أن يحترموا الغرض السامي الذي دفع هذا الثمن الباهظ من أجله.      

 

تنبأ العهد القديم بعهد المسيح الجديد

لم يجئ هذا العهد الجديد فجأة.  فقد سبق أن تنب به النبي إرميا. يقول:"ها أيام تأتي، يقول الرب، وأقطع مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهد جديد.  ليس كالعهد الذي قطعته مع آبائهم يوم أمسكتهم بيدهم لخرجهم من أرض مصر، حين نقضوا عهدي فرفضتهم، يقول الرب.  بل هذا هو العهد الذي أقطعه مع بيت إسرائيل بعد تلك الأيام، يقول الرب: أجعل شريعتي في داخلهم وأكتبها على قلوبهم، وأكون لهم إله وهم يكونون لي شعب.  ولا يعلمون بعد كل واحد صاحبه، وكل واحد أخاه، قائلين:  اعرفوا الرب، لأنهم كلهم سيعرفونني من صغيرهم إلى كبيرهم، يقول الرب، لأني أصفح عن إثمهم، ولا أذكر خطيتهم بعد." إرميا 31: 31-34.

 

ميزات العهد الجديد 

وهكذا فإن الإيمان بالمسيح يدخل المرء في العهد الجديد ويغيره من الداخل.  فروح الله القدوس يزرع في المؤمن طبيعة جديدة ميالة إلى طاعة الله والتوافق معه.  وكلما استسلم لهذا التأثير المبارك ازداد نمو في النعمة, وصار أكثر قدرة على ما عجز مؤمنو العهد القديم عن القيام به. قال أحدهم:"تقول لنا شريعة موسى ’اذهب‘ دون أن تعطينا أقدام؛ ويقول لنا الإنجيل ’اذهب‘ ويعطينا أجنحة."  

 

نبوءة إشعياء بموت المسيح

ما كان يتوجب أن يأتي موت المسيح من أجل خطايا البشر مفاجأة لمن يعرف كلمة الله في العهد القديم.  فالإصحاح الثالث والخمسون من سفر النبي إشعياء يدور كله حول هذا الأمر.  يقول مثل عن المسيح بروح النبوة: "وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا.  تأديب سلامنا عليه، وبحبره شفينا." إشعياء 53: 5. فليتنا نفهم البعد الفدائي لموت المسيح ونقدره ونقبله بالشكر.

 

أسئلة الفصل الثالث عشر
ماذا كان دور بني إسرائيل في العهد الذي قطعه الله معهم؟
ما الذي يضمن نجاح العهد الجديد الذي يقطعه الله مع المؤمنين بالمسيح؟
لماذا كانت هنالك ضرورة لإقامة نظام ذبائح في العهد القديم؟
لماذا بَطُلت الذبائح بعد موت المسيح على الصليب؟
لماذا يقدّم الخبز والخمر معاً في فريضة العشاء الرّباني؟
علّق على العبارة التالية: "لم يأتِ المسيح لكي يؤسس ديانة."

 


www.agape-jordan.com - 2005