الصفحة الرئيسية  | رسالة حب الآب اليك  |   الله و انت   |  تغيرت حياتهم  |  من هو يسوع ؟  |  كلمات شافية  |   فلم حياة السيد المسيح | اتصل بنا  

 

ملاك الرب (9)

الفصل الخامس عشر

 

نواصل في هذا الفصل تأملاتنا في شخص المسيح ودوره بصفته ملاك الرب في العهد القديم قبل تجسده.  وسنركز اليوم على دوره بصفته الديان.

 

دينونة الله غير جذابة! 

لا يحب بعضهم الحديث عن دينونة الله.  فهم يجدون في هذه المسألة أمراً باعثاً على الاكتئاب.  وهم يفضلون الجانب المشرق الجذاب الذي يتناول محبة الله ورحمته.  وهم يبتهجون عندما يسمعون عن المسيح المخلص والشافي والوديع.  ويبدو هؤلاء أقل حماسةً حين يتعلق الأمر بالمسيح الديان.  لكن لا بد لنا أن نوضح ثلاث حقائق في هذا المجال.

 

دينونة الله متوافقة مع عدله 

أولاً، لا يوجد تعارض بين محبة الله وبين دينونته.  فدينونة الله جزء لا يتجز من عدله.  إنها إجراء لا بد منه من أجل إظهار أن عدله صفة عاملة لا خاملة.  وبغير أن يقوم الله بمعاقبة من يتعدى قوانينه ويرفض عرض رحمته، لا يعود الله مهوباً. بل إن الحديث عن ضرورة تقوى الله يصبح أمراً باعثاً على السخرية والضحك وبلا مبرر.  ويصبح الله غير قادرٍ على الدفاع عن حدوده أو مساءلة أحدٍ من خليقته.  وكيف لمجرمٍ أن يخشى قاضياً إن عرف أن هذا القاضي العادل المزعوم سيبرئه في نهاية الأمر, متجاوزاً القوانين التي يعمل وفقها وتعهد باحترامها؟

 

محبة الله تتضح في ضوء الدينونة

ثانياً، تبرز محبة الله على نحوٍ أكثر وضوحاً في وجود دينونةٍ عظيمة.  فعندئذٍ يقدر البشر رحمة الله ومحبته في ظل وجود مثل هذه الدينونة العظيمة.  وقد يجد الإنسان الحر الإرادة نفسه غير مضطرٍ إلى التجاوب مع رحمة الله وقبولها.  ولهذا لا يملك الله أن يفرض رحمته على مثل هذا الإنسان.  إذ لا يكون الإنسان حراً مسؤولاً إن لم يحترم الله رغبته.  ثالثاً، في ضوء غيابٍ متوهمٍ لدينونةٍ أبديةٍ عظيمة، لا تعود هنالك حاجة إلى رحمة الله ولا إلى عمل خلاصٍ عظيم يقوم به المسيح.  فما الذي سيحتاج الناس إلى الخلاص منه في هذه الحالة؟  بل لا يعود هنالك أيضاً دافع عملي لدى أي بشرٍ لتجنب أعمال الشر والسعي إلى رضا الله.

 

صفات الله تعمل معاً في توافق 

صحيح أن "الله محبة"1 يوحنا 4: 8.، لكنه أيضاً "نار آكلة"عبرانيين 12: 29..  ولا يستثنى هذا ذاك ولا ذاك هذا.  فالمحبة والعدل صفتان متوافقتان في الله الكامل.  صحيح أن "الله محبة"، لكن هذا لا يعني أن الناس يستطيعون الاستخفاف بحدوده كما يحلو لهم.  ولا يعني هذا أنه لا توجد مبادئ ذاتية منسجمة مع طبيعة الله تحكم رحمته.  فحاشا أن يكون الله مزاجياً في مسألة الرحمة والغفران.  ولا يجوز أيضاً أن تكون المبادئ التي تحكم رحمة الله سريةً أو مبهمةً لا سبيل إلى معرفتها, وإل انتفى كل أساسٍ سليمٍ للاقتراب إلى الله.

 

رفض الجحيم محاولة للتهرب من المسؤولية 

لكن ينبغي أن نكون صريحين في أن من يرفض فكرة الجحيم لا يفعل هذا بدافعٍ من رغبته في الدفاع عن محبة الله ورحمته.  فمثل هذا الشخص ينكر الجحيم في محاولةٍ للتهرب من مسؤوليته الشخصية عن خطاياه وأعمال يديه.  وهو يلوم كل شخصٍ آخر وكل ظرفٍ عدا نفسه عما يفعله.  حتى إنه يتهم الله بعدم المحبة والافتقار إلى الرحمة إذا أراد الله عقابه.

 

ملاك الرب كان يؤدب ويدين 

أوضح الرب في العهد القديم أن ملاك الرب قادر على ممارسة التأديب والدينونة بناءً على أن منح الغفران ومنعه أمر في يده.  قال لموسى: "ها أنا مرسل ملاكاً أمام وجهك ليحفظك في الطريق، وليجئ بك إلى المكان الذي أعددته.  احترز منه واسمع لصوته ولا تتمرد عليه، لأنه لا يصفح عن ذنوبكم، لأن اسمي فيه."خروج 23: 20-21.  فهذا الملاك الحافظ والمرشد مستوجب للطاعة.  ومن يتمرد عليه فإنما يجلب على نفسه دينونةً مباشرةً منه شخصياً.  فالعصيان موجه ضده لأنه مشترك مع الله في اسمه.  وهذا هو معنى "اسمي فيه".

 

الذبيحة تحول دون أن يوقع ملاك الرب الدينونة بأورشليم  

ونحن نجد مثالاً عملياً في سفر أخبار الأيام على ممارسة ملاك الرب للدينونة.  تقول كلمة الله: "ووقف الشيطان ضد إسرائيل، وأغوى داود ليحصي إسرائيل."1 أخبار 21: 1.  اعتز داود بقوته وجبروته.  وأراد أن ينسب إلى نفسه بدلاً من الله أسباب قوة جيشه.  فأنزل ملاك الرب دينونةً جزئيةً على أورشليم.  يقول الوحي: "ورفع داود عينيه فرأى ملاك الرب واقفاً بين الأرض والسماء وسيفه مسلول بيد، وممدودة على أورشليم."1 أخبار 21: 16.  وعندما اعترف داود بخطيته متحملاً مسؤوليته، طلب ملاك الرب أن يقدم داود ذبيحةً تكفيراً عن خطيته.  ولا شك أن إرجاء التوبة عن الخطايا هو بمثابة دعوةٍ نوجهها إلى الله لتأديبنا ومعاقبتنا.

 

المسيح مخلص الآن وديان في ما بعد 

وفي العهد الجديد يبرز دور يسوع المسيح بصفته الديان.  وإنه لمن المناسب أن يكون منفذ الخلاص نفسه منفذاً للدينونة.  وعلى كل واحدٍ من البشر أن يقبل المسيح بأحد هذين الدورين.  فمن لا يقبله مخلصاً لا بد أن يقبله دياناً.  وتنحصر حرية المرء في اختيار أحد هذين البعدين الوحيدين.  غير أن الخبر السار هو أن زمن الحساب والدينونة ليس الآن.  يقول المسيح: "لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم، بل ليخلص به العالم.  الذي يؤمن به لا يدان، والذي لا يؤمن قد دين، لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد.  وهذه هي الدينونة: إن النور قد جاء إلى العالم، وأحب الناس الظلمة لأن أعمالهم كانت شريرة."يوحنا 3: 17-19.  إن من الواضح أن إلهنا المحب غير متلهفٍ على أن يدين أحداً ويرسله إلى الجحيم.  "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية." يوحنا 3: 16.  إن اليوم هو يوم للحياة، والوقت هو وقت للرحمة والعفو والتوبة. " وهو لا يشاء أن يهلك أناس.  بل أن يقبل الجميع إلى التوبة." 2 بطرس 3: 9

 

المسيح هو المنفذ الوحيد من دينونة الله 

يوضح المسيح في النص السابق أن الله متلهف على إنقاذ البشر.  وفي سبيل تحقيق هذه الغابة "لم يشفق (الله) على ابنه "على حد تعبير بولس رسول المسيح، "بل بذله لأجلنا أجمعين."رومية 8: 32.  فلا يوجد أي مجالٍ لاتهام الله في محبته للبشر أو نواياه تجاههم.  وتبقى الكرة في ملعب البشر ليقرروا ماذا سيفعلون بمحبة الله المسرفة هذه وكيف سيتجاوبون معها.  أما الأمر الثاني الذي يبينه المسيح فهو أنه هو المخلص الذي اختاره الله.  والأمر الثالث هو أن هذا العالم، أي البشر، لا يحتاج إلى من يدينه الآن.  فهو مدان بالفعل أمام الله.  فالبشر يحتاجون إلى خلاصٍ حتى ولو لم يدركوا ذلك.  إنهم ماضون إلى الجحيم, لا لأنهم ارتكبوا كل خطيةٍ ممكنةٍ أو وصلوا إلى أبعد حدٍ ممكنٍ من الشر, بل لأنهم لم يقبلوا عفو الله ورحمته ونعمته وغفرانه المجاني في المسيح.  "الذي لا يؤمن قد دين."  لقد صدر حكم الدينونة بالفعل.  وما لم يتكل المرء على ابن الله الوحيد وما عمله من أجله على الصليب، فسيتم تنفيذ حكم دينونة الله فيه.  أما الأمر الرابع، فهو أن المسيح هو النور الحقيقي، ومن يرفض المسيح يكون قد حكم على نفسه بأن يبقى في الظلمة. فمثل هذا يدين نفسه.  ولا يوجد للإنسان مخرج من مأزق الخطية والدينونة إل في المسيح.

 

أكرم من في يده سلطان الدينونة 

لقد دفع الله بكل شيءٍ إلى يد الابن.  يقول يسوع: "دفع إلي كل سلطانٍ في السماء وعلى الأرض."متى 28: 18.  ولقد عطي المسيح السلطة الكاملة ليكون الديان الوحيد.  يقول يسوع: "لأن الآب لا يدين أحداً، بل أعطى كل الدينونة للابن، لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب". يوحنا 5: 22.  يقدم المسيح هنا سبباً جوهرياً لوجود سلطة الدينونة في يده.  يريد الله الآب أن يعرف الجميع أن المسيح هو الابن.  ويريدهم أن يكرموا هذا الابن نفس مقدار إكرامهم للآب.  يريد الآب أن يكون موقف البشر من ابنه نفس موقفهم منه.  وما كان هذا ممكناً لو لم يكن المسيح الله في الجوهر.

 

لا عذر لمن يرفض رحمة الله في المسيح 

إذا رفضت المسيح ورحمته ونعمته وغفرانه المجاني، فماذا سيكون عذرك؟  إن سألك ديان البشر: "لماذا رفضتني؟" فبماذا ستجيب؟  تذكر أن الذي ستعطي له حساباً عن نفسك هو المسيح نفسه.  تقول كلمة الله: "لأنه لا بد أننا جميعاً نظهر أمام كرسي المسيح، لينال كل واحدٍ ما كان بالجسد بحسب ما صنع، خيراً كان أم شراً."2 كورنثوس 5: 10.  ويؤكد الوحي في موضعٍ آخر في حديثه عن نفس الموضوع أن هذا الذي سيقف أمامه كل البشر للحساب هو الرب والله نفسه.  يقول: "وأما أنت, فلماذا تدين أخاك؟ أو أنت أيضاً, لماذا تزدري بأخيك؟ لأننا جميعاً سوف نقف أمام كرسي المسيح, لأنه مكتوب: أنا حي, يقول الرب, إنه لي ستجثو كل ركبةٍ, وكل لسانٍ سيحمد الله.  فإذاً كل واحدٍ منا سيعطي عن نفسه حساباً لله." فهل أنت مستعد لهذه المواجهة مع المسيح الذي يصرح الوحي الإلهي أنه هو الرب والله؟

 

عينه الله دياناً 

ويؤكد بطرس المهمة التي أوكلها إليه المسيح.  يقول: "وأوصانا أن نكرز للشعب، ونشهد بأن هذا هو المعين من الله دياناً للأحياء والأموات." أعمال 10: 42.  ويؤكد سفر الرؤيا أن كلمة الله, أي المسيح,    هو الذي سيحكم, أي سيدين العالم.  يقول الوحي, "ثم رأيت السماء مفتوحةً, وإذا فرس أبيض والجالس عليه يدعى أميناً وصادقاً, وبالعدل يحكم ويحارب. وعيناه كلهيب نارٍ, وعلى رأسه تيجان كثيرة, وله اسم مكتوب ليس أحد يعرفه إل هو.  وهو متسربل بثوبٍ مغموسٍ بدمٍ, ويدعى اسمه "كلمة الله."  رؤيا 19: 11-13

 

اضطرت الشياطين للاعتراف به دياناً 

لقد اعترفت الشياطين بأن المسيح ابن الله هو ديانها.  قابل يسوع شخصين مسكونين بأرواحٍ شريرةٍ في كورة الجرجسيين.  فصرخت الشياطين لما أبصرت يسوع قائلةً: "ما لنا ولك يا يسوع ابن الله؟  أجئت إلى هنا قبل الوقت لتعذبنا؟" متى 8: 29.  عرفت الشياطين أنها مدانة.  وعرفتٍ أيضاً هوية يسوع ابن الله.  وأدركت أنه هو ديانها.  لكنها عرفت بطريقةٍ ما أن وقت دينونتها وعذابها الأبدي لم يحن بعد.

 

لنتجنب مشاركة إبليس مصيره 

لقد أعد الله في الأصل الجحيم لإبليس وملائكته الساقطين.  لكن بعض الناس يصرون برفضهم المسيح على أن يشاركوا هؤلاء الشياطين مصيرهم.  ويخبرنا المسيح منذ الآن ماذا سيقول لهم: "اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته."متى 25: 41.

 

العذاب الأبدي رهيب!

قد يسأل بعضهم متعجبين أو مستنكرين: "نار أبدية؟  أليس هذا فظيعاً؟" والجواب هو: ليتها كانت مجرد نارٍ أبدية!  فالنار مجرد صورةٍ رمزيةٍ لما لا يقدر الإنسان أن يحتمله من عذاب.  والرمز بطبيعته أقل بكثيرٍ من المرموز إليه.  ويقصد به أن يعطي فكرةً بسيطةً عن الحقيقة الموضوعية.  فهو يأخذ صورةً نعرفها من عالمنا وخبرتنا لكي يقرب إلينا صورةً عن حقيقةٍ رهيبةٍ في عالمٍ آخر ومستوىً آخر.

 

المسيح يخلصك من الخوف من الدينونة 

أما المؤمن بالمسيح الذي قبل غفرانه فلا داعي لأن يحس بذنبٍ أو خوفٍ من دينونة. فقد انتقل من الموت إلى الحياة بالفعل.  قال يسوع: "من يؤمن بي فله حياة أبدية."يوحنا 6: 47.  ويعد المسيح بأن يقيم إلى الحياة الأبدية المجيدة كل من يؤمن به.  "لأن هذه هي مشيئة الذي أرسلني: أن كل من يرى الابن ويؤمن به تكون له حياة أبدية، وأنا قيمه في اليوم الأخير."يوحنا 6: 40.  إن الديان هو نفسه الذي يضمن خلاص المؤمن بالمسيح، وهو أيضاً شفيعه.  وما دامت علاقة المؤمن سليمةً مع الله، فإنه يرفض كل شكوى ضده واتهامٍ له حتى من قبل إبليس.  يسأل بولس، رسول المسيح بثقةٍ: "من هو الذي يدين؟  المسيح هو الذي مات، بل بالحري قام أيضاً، الذي هو عن يمين الله، الذي أيضاً يشفع فينا."رومية 8: 34. ويقول أيضاً, "إذاً لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع."رومية 1: 8  اجعل من يسوع صديقاً لك, ولن يكون هنالك ما تخشاه.

 

من غفر المسيح ذنوبه يستطيع أن يغفر لنفسه 

وما دام الله في المسيح قد غفر لنا، فإننا نستطيع أن نغفر لأنفسنا دون أن نحس بثقل الذنب.  ومن يستكثر أن يغفر له الله، فكأنما لا يدرك قيمة الخلاص العظيم الذي قدم له.  قد تكون خطاياك عظيمةً جداً.  لكنها, مهما كانت, ليست أعظم من أن يغفرها المسيح.  فلقد صمد صليبه على مر الزمن أمام خطايا أكثر وأثقل.  وهذا هو ما تحتاج أن تؤمن به:  إن كفارة المسيح كافية تماماً.  ومن لا يغفر لنفسه بعد غفران المسيح له كأنما يضع مقاييس للغفران أعلى من مقاييس الله.  وهذا أمر غير معقولٍ وغير مقبولٍ لدى الله.

 

أسئلة الفصل الخامس عشر
على افتراض أن الله لن يدين الخطاة، كيف يؤثّر هذا في نظرة البشر إليه؟
ما الذي يجعل رحمة الله ضرورية؟
هل هنالك تناقض بين عدل الله ومحبته؟ لماذا؟
ما السبب الحقيقي الذي يدفع بعض الأشخاص إلى رفض فكرة العذاب الأبدي؟
كيف يمكن أن يتخلص المرء من خوفه من دينونة الجحيم؟
لماذا "أعطى (الله) كل الدينونة للابن" حسب يوحنا 5: 22؟

 


www.agape-jordan.com - 2005