الصفحة الرئيسية  | رسالة حب الآب اليك  |   الله و انت   |  تغيرت حياتهم  |  من هو يسوع ؟  |  كلمات شافية  |   فلم حياة السيد المسيح | اتصل بنا  

 

تجسد المسيح وولادته (1)

الفصل الثامن عشر

سنتناول في هذا الفصل تجسد السيد المسيح وولادته.

جاء المسيح استجابةً لأشواق البشر للتواصل مع الله

كان مجيء السيد المسيح إلى العالم بمعنى ما استجابةً لأشواق البشر.  فلقد أحس البشر على الدوام بالحاجة إلى أن يتدخل الله بشكل مباشر وظاهر وشخصي في الحياة وظروفها ومسارها.  وأحسوا بتوق شديد إلى معرفته معرفةً شخصية.  ومن هنا صرخ النبي إشعياء بالروح مخاطباً الله: "ليتك تشق السماوات وتنزل!"إشعياء 64: 1.  بدا الله أنه "إله محتجب." إشعياء 45: 15.  فكان فضول الإنسان كبيراً.  أراد أن يعرف إن كان الله يعرف مواجع قلبه... إن كان يفهم ويقدر ويتعاطف. وربما كان أمراً طبيعياً أن تكون لدى البشر، في غياب معرفتهم الكاملة بإرادة الله أسئلة وشكوك.  فالإنسان الحي الضمير يرى الظلم جارياً ويحتار في موقف الله وصمته البادي.  يسأل داود مثلاً، "حتى متى يا الله يعير المقاوم ويهين العدو اسمك إلى الغاية؟  لماذا ترد يدك ويمينك؟"مزمور 74:1.  ومع أن الله لا يجيب عن كل تساؤلات الإنسان وشكوكه وحيرته، إل أنه لا يدينها ولا يرفضها.  فهو يفهمها.  بل إنه يسجلها في كلمته المقدسة.  لم يفهم أيوب سبباً لما حدث له من مصائب، فقال: "اليوم أيضاً شكواي تمرد.  ضربتي أثقل من تنهدي. من يعطيني أن جده، فآتي إلى كرسيه، حسن الدعوى أمامه، وأمل فمي حججاً، فأعرف الأقوال التي بها يجيبني، وأفهم ما يقوله لي؟" أيوب23:2-5

 

جاء لكي يضع حل للعنات والأمراض والآثام والموت

وأسو من هذا كله السلسلة المتصلة من اللعنات والأمراض والآثام والموت.  بل بدا أن الحياة محكومة بالموت الذي رهب به إبليس البشر غير العارفين لمصيرهم الأبدي.  كان الموت الذي فرخته خطايا البشر سلاحاً حقيقياً في يد إبليس.  وكما تقول كلمة الله فإن "شوكة الموت هي الخطية.  وقوة الخطية هي الناموس"1 كورنثوس 15: 55-56. أو الشريعة الإلهية المقدسة التي تضع كاسريها تحت دينونة الله وإحساس عميق بالذنب.  فكان لازماً أن يأتي المسيح "لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت، أي إبليس، ويعتق أولئك الذين – خوفاً من الموت- كانوا جميعاً كل حياتهم تحت العبودية."عبرانيين 2: 14-15.  ولقد كان هذا المخلص من إبليس أول ما وعد به الله آدم وزوجته بعد سقوطهما في فخ إغراء إبليس.  قال الله لإبليس المتخفي في ثوب حية:  أضع عداوةً بينك وبين المرأة، وبين نسلك ونسلها.  هو يسحق رأسك، وأنت تسحقين عقبه." تكوين 3: 15.  ونسل المرأة الوحيد الذي لم يشاركها في إنجابه رجل هو المسيح.  وهو لهذا لم يرث من آدم طبيعته الميالة إلى الخطية.  إذ كان واضحاً في ذهن الله منذ البداية أن نسل المرأة هذا هو الوحيد القادر على تحقيق الخلاص من إبليس ومن الخطية؛ وهو الذي سيرد الإنسان إلى الفردوس الذي فقده.  فلم يكن نزول ابن الله من السماء وتجسده أمراً طارئاً أو فكرةً بنت لحظتها.  لم تكن المسألة اختراعاً بشرياً، بل ضرورةً حتميةً لاهوتيةً وقضاءً إلهياً مسبقاً.  ولهذا فإن الكتاب المقدس ينسجم مع نفسه في إعلانه عن صلب المسيح وموته من أجل خلاص البشر، وهو يحمل في هذا الانسجام برهان صدقه وعصمة وحيه.

 

نبوءة حول ولادته من عذراء

كان من الطبيعي أن يتضمن العهد القديم نبوءات عن مثل هذا الحدث المستقبلي العظيم الأهمية، أي ولادة المسيح.  ونحن نجد في سفر النبي إشعياء نبوءتين عنها.  يقول الله على لسان النبي: "ولكن يعطيكم السيد نفسه آيةً: ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل." إشعياء 7: 14.  تتحدث كلمة الله عن عذراء لم تعرف رجلاً، تحبل وتلد ابناً.  ويستخدم النص العبري الأصلي كلمة "عالمه" للدلالة على أنها عذراء غير متزوجة.  ولا يستخدم الكلمة العبرية الأخرى المتاحة "بتولا" لأنها تستخدم أحياناً نادرةً للإشارة إلى امرأة متزوجة لها أبناء كما هو الحال في سفر النبي يوئيل.  يقول: "نوحي يا أرضي كعروس (بتولا) مؤتزرة بمسح من أجل بعل صباها."يوئيل 1: 8.  فالإشارة هنا هي إلى امرأة أرملة الآن نائحة على الرجل الذي تزوجته أيام صباها.  أما كلمة "عالمه" العبرية فلا تحتمل هذا الخلط.  ويؤكد هذا عذراوية الحبل بالطفل من م عفيفة طاهرة.  هل هذا أمر مخالف لسنن الطبيعة المعروفة للبشر؟  هذا أمر لا شك فيه.  لكن الوحي واضح في أن السيد، أي الله نفسه، يريد أن يجعل من هذه الحادثة آيةً، أي معجزة.  والله بطبيعة الحال غير محكوم بسنن الطبيعة المخلوقة.  بل كثيراً ما يظهر مجده وقوته وعدم محدوديته في تعليق نواميس الطبيعة كلما أراد ذلك.  وعندما يقرر الله في عالمه الروحي أن يفعل شيئاً خاصاً في عالم المادة والمكان والزمان، لا بد أن يتوفر عنصر خارق.  ومن يؤمن بالله لا بد أن يؤمن بالمعجزات بطبيعة الحال.

 

المسيح بيننا هو "الله معنا"

ويتوجب علينا أن نلاحظ الاسم الذي يعطيه نص إشعياء النبي لابن العذراء، أو نسل المرأة.  إنه عمانوئيل.  يشرح لنا متى تلميذ المسيح ورسوله لدى اقتباسه هذه الآية من إشعياء فيقول: "هذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل: ’هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً، ويدعون اسمه عمانوئيل‘ الذي تفسيره: الله معنا." متى 1: 22-23.  فابن العذراء سيكون الله الذي معنا وبيننا.  إنه الذي سيسكن مع البشر وكأنه واحد منهم.  إنه الله الذي يربط نفسه طوعاً بالبشر وحياتهم.  فمع أنه قدوس ومختلف جوهراً عن كل بشر، إل أنه ليس متكبراً متعالياً محتجباً.  بل هو محب للبشر الذين خلقهم على صورته ومثاله، أي على نمطه.  ويذكرنا هذا بقوة بما قالته حكمة الله في أمثال سليمان: "لذاتي مع بني آدم." أمثال 8: 31.  وحكمة الله بطبيعة الحال هي المسيح الذي جاء لكي يكون مع البشر الذين يحمل لهم الحب والنوايا الطيبة والعطايا السماوية.  فالاسم عمانوئيل إذاً دال على هوية صاحبه ومهمته.

 

صفات وأسماء إلهية للمسيح المولود

لكن إشعياء لا يترك المسألة عند هذا الحد.  فهو يمضي شوطاً أبعد في تحديد هوية هذا الابن وأبيه.  فهو لا يريد أن يتذرع أحد بعدم الوضوح أو يحتج بالغموض.  يقول إشعياء على لسان الله نفسه: "لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابناً، وتكون الرياسة على كتفه.  ويدعى اسمه عجيباً مشيراً، إلهاً قديراً، أباً أبدياً، رئيس السلام.  لنمو رياسته، وللسلام لا نهاية على كرسي داود وعلى مملكته ليثبتها ويعضدها بالحق والبر." إشعياء 9: 6-7.

لا بد هنا من عدة ملاحظات.  أولاً، المتكلم هو الله.  والمولود هو ولد بالولادة وابن بالعطية.  وبطبيعة الحال فإن الله الآب روح لا جسد له.  ولهذا فإن من السخف الحديث عن ولد جسدي لله.  بل إن الكتاب المقدس في سموه لا يتنازل حتى إلى مجرد نفي هذه الفكرة السخيفة.  فنحن نتحدث عن بنوة في مستوى روحي سام.  غير أن التوكيد هنا هو أن هذا الابن هو ابن الله.  ثانياً، سيتولى هذا الابن الرياسة، أي الحكم على كاهله.  هو الذي سيدير ملكوت الله وخليقته.  سيكون هو السيد، وسيكون هو المرجع وصاحب السلطة في كل شيء.  وسيكون الآخرون مسؤولين أمامه.  فهو الملك الإلهي المختار.  ثالثاً، يدعى اسمه "عجيباً"، أي خارقاً.  وهذا اسم من أسماء الله.  وهذا هو الاسم الذي عرف الرب أو ملاك الرب عن نفسه لمنوح وزوجته قديماً.  قال لمنوح: "لماذا تسأل عن اسمي وهو عجيب؟" قضاة 13: 18.  رابعاً، يدعى اسمه أيضاً مشيراً، أي أنه صاحب الرأي والمشورة. هو يعطي الرأي والمشورة ولا يحتاج إلى رأي أحد أو مشورته.  فهو حكمة الله.  وهو يختزن كل معرفة حقيقية.  بل إنه هو أصل كل نور ومعرفة.  وإن من الجدير بالذكر أن إشعياء نفسه يستخدم تعبير "عجيب الرأي" أو "عجيب المشورة" للإشارة إلى الرب يهوه.  يقول: "هذا أيضاً خرج من قبل رب الجنود، عجيب الرأي عظيم الفهم." إشعياء 28: 29.  ويقول هذا الشيء الكثير عن الابن الذي سيولد.  خامساً، يدعى اسمه "إلهاً عجيباً."  فهل تأكدت الصورة الكتابية لديك أخي الكريم؟  يستخدم إشعياء في نفس هذا التعبير "إلهاً قديراً" جنباً إلى جنب مع الإشارة إلى يهوه.  يقول، "بل يتوكلون على الرب قدوس إسرائيل بالحق.  ترجع البقية، بقية يعقوب، إلى الله القدير."إشعياء 10: 20-21.  فالتعبير العبري الذي ترجم "إلهاً قديراً" ترجم نفسه إلى "الله القدير" هنا.  ولا شك أن كل هذه الألقاب تتضمن لاهوت الابن الذي يتكلم عنه إشعياء على لسان الله.

 

منه الحياة والأبد والحياة الأبدية

سادساً، يدعى ابن الله هذا "أباً أبدياً". إنه أب لكل المؤمنين.  فهو الذي يعطيهم الحياة الأبدية عندما يؤمنون به.  قال يسوع: "خرافي تسمع صوتي، وأنا أعرفها فتتبعني.  وأنا أعطيها حياةً أبدية."يوحنا 10: 27-28.  ويشير يوحنا تلميذ المسيح ورسوله إلى المسيح فيقول: "إن علمتم أنه بار، فاعلموا أن كل من يصنع البر مولود منه." 1 يوحنا 2: 29.  فالمسيح هو أبو المؤمنين الذي يصنعون البر.  غير أن تعبير "أباً أبدياً" يمكن أن يترجم أيضاً "أبا الأبدية".  ويتضمن هذا أنه هو صاحب الأبدية ومالكها.  إنها تنبع من شخصه.  فهو الإله الأزلي الأبدي.  صحيح أنه دخل زمننا البشري ذات يوم.  لكنه أصل كل زمن نعرفه ولا نعرفه.  إنه أصل الزمن الأبدي الذي سيدخله المؤمنون به.  ولهذا يصفه الوحي بأنه "ملك الدهور." 1 تيموثاوس 1: 17

سابعاً، يدعى ابن الله "رئيس السلام".  فهو مصدر السلام الأول والأخير.  هو وحده الذي يصالح البشر مع الله ويحولهم من أعداء إلى أبناء له.  وهو الذي دفع حياته نفسها ثمناً لهذا السلام الثمين.  ولن يعرف إنسان السلام الداخلي الحقيقي ما لم يحل المسيح بالإيمان في قلبه.  سلام البشر تحية شكلية فارغة من كل مضمون.  وسلام الناس خداع ونفاق ومكر ومناورة.  أما سلام المسيح فطمأنينة أو ثقة تنسحب على كل أبعاد حياة المؤمن.

 

سيأتي ليملك

ثامناً، عندما يأتي المسيح الحي، سيأتي ليؤسس ملكوته الذي لا ينتهي.  لن يأتي ليموت مرةً أخرى كما يتوهم غير العارفين.  تقول كلمة الله دون لبس أو غموض: "عالمين أن المسيح بعدما قيم من الأموات لا يموت أيضاً، لا يسود عليه الموت بعد." رومية 6: 9.

 

ميخا يؤكد أن مولود بيت لحم أزلي

والنص الأخير الذي يتحدث عن ولادة المسيح من العهد القديم هو من ميخا.  يقول النبي: "أما أنت يا بيت لحم أفراتة، وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف (مدن) يهوذا، فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطاً على إسرائيل، ومخارجه منذ القديم، منذ أيام الأزل."ميخا 5: 2.  فالوحي يحدد اسم المدينة التي سيولد فيها المسيح؛ إنها بيت لحم.  وقد جعل المدينة ذات شأن بعد خمول ذكرها، وهو أيضاً يجعل لكل من يؤمن به وزناً وقيمةً عند الله.  إذ يجعله ابناً له.  على أن أهم ما في هذا النص لنا هو ما يصرح به عن أزلية المسيح.  فمخارجه منذ القديم، منذ أيام الأزل، أي حين لم يكن إل الله وحده موجوداً أو كائناً.

 

أسئلة الفصل الثامن عشر
كيف نعرف من العهد القديم أن تجسُّد المسيح ومجيئه إلى العالم في العهد الجديد لم يكن فكرة بنت  لحظتها أو أمراً طارئاً؟
كيف عبّر إشعياء بالوحي عن شوق الإنسان إلى مجيء الله إلى الأرض؟
لماذا كان ضرورياً أن يتجسد المسيح، فيأتي الله إلينا فيه؟
يعطي الوحي يسوع اسم "عمانوئيل". فما هي دلالة هذا الاسم؟
ما هي أوصاف الابن في إشعياء 9: 6-7؟

 


www.agape-jordan.com - 2005