الصفحة الرئيسية  | رسالة حب الآب اليك  |   الله و انت   |  تغيرت حياتهم  |  من هو يسوع ؟  |  كلمات شافية  |   فلم حياة السيد المسيح | اتصل بنا  

 

المسيح القدوس (1)

الفصل الثاني والعشرون

 سنتناول في هذا الفصل المسيح بصفته الرب القدوس.  وسنناقش هذه المسألة من العهد القديم.  وسنتحدث عن معنى قداسته وتطبيقاتها.

 

تضاؤل الآخرين أمامه

لا شك أن يسوع المسيح نسيج وحده من نواح كثيرة.  ومعدنه الأخلاقي جانب ساطع اللمعان في شخصيته الكلية كما يعرضها الوحي الإلهي ببساطة وقوة.  ولا تسعفنا اللغة البشرية في تصوير جلال قداسته.  ولنا عذرنا في هذا؛ إذ كيف نطوع اللغة المحدودة لتصف من هو غير محدود على نحو دقيق؟  لكن لا بأس من المحاولة بقدر ما يعيننا الله.  فلنقل إن المسيح بالمقارنة مع كل شخص غيره كشمس الظهيرة.  أما القديسون والأنبياء الصالحون، فلا يظهر نورهم في نهاره.  بل يحتاجون إلى ليل لكي يظهروا.  وهم شبه بالأقمار التي تستمد من الشمس نورها.تقول إحدى الترانيم عنه:

 

أمام بن العلـي           كـل الكبار صغـار

 فنور نجم بـهي          بالقرب منه احتضار 

 

لماذا هو شمس البر؟ 

ولم يطلق عليه الكتاب المقدس لقب "شمس البر"ملاخي 4: 2. عبثاً.  فهو ليس باراً فحسب، بل يسطع ببره على الآخرين.  فهو أصل البر.  وفي حين أن الجميع يطأطئون رؤوسهم أمام إغراءات الخطية أو ضغوطاتها أو قوتها، يظل يسوع واقفاً مرفوع الرأس.  ذل الخطية التي أذلت كل بشر غيره.  فلنبد بالمسيح وقداسته بصفته الإلهية.

 

رآه إشعياء

يخبرنا يوحنا في الإصحاح الثاني عشر من إنجيله أن ذاك الذي ظهر للنبي إشعياء في هيكل الرب هو يسوع نفسه.  ويقول لنا إن إشعياء "رأى مجده وتكلم عنه"يوحنا 12: 41..  ومن الطبيعي أن يكون المسيح، أي الله الابن، لا الله الآب هو الذي ظهر لإشعياء. إذ لا يذكر الوحي صراحةً أبداً أن الله الآب اتخذ صورةً مرئيةً قط.  يقول الوحي مشيراً إلى الله الآب: "الله لم يره أحد قط."يوحنا 1: 18.  فكانت الظهورات الإلهية للبشر تتم عن طريق المسيح، الله الابن، كما أوضحنا في حلقات سابقة.  فماذا يقول إشعياء عن المسيح الذي رآه؟  "في سنة وفاة عزيا الملك، رأيت السيد جالساً على كرسي عال ومرتفع وأذياله تمل الهيكل.  السرافيم واقفون فوقه، لكل واحد ستة أجنحة، باثنين يغطي وجهه، وباثنين يغطي رجليه، وباثنين يطير.  وهذا نادى ذاك وقال: ’قدوس، قدوس، قدوس رب الجنود.  مجده ملء كل الأرض.‘ فاهتزت أساسات العتب من صوت الصارخ، وامتل البيت دخاناً." إشعياء 6: 1-4.

 

الملائكة تدرك قداسة الرب 

دخل إشعياء هيكل الرب في وقت تزعزت فيه أركان المملكة.  إذ مات الملك عزيا.  وحاقت الأخطار بها من كل جانب.  ولم تكن البلاد مهيأةً للوقوف في وجه تلك الأخطار.  فأحس النبي أن كل شيء في مهب الريح، خاصةً في ضوء انتشار الإثم وغياب التقوى.  وربما دخل إشعياء الهيكل في يأسه لكي يشكو الحال إلى الله.  لكن الصورة تغيرت في الداخل.  إذ رأى السيد متربعاً بكل جلال وهيبة على عرشه العالي السامي.  أدرك إشعياء أولاً أن عرش السيد ثابت لا يتزعزع، ولا يوجد ما يتهدده.  رأى حضور الله يمل الهيكل، وهو محاط بملائكة السرافيم أو النقاء.  وعلى الرغم من نقائها، إل أنها كانت لا تحتمل النظر إلى وجه الرب.  ولهذا كان الواحد منها يغطي وجهه بجناحين من أجنحته.  وكانت تتنادى قائلةً "قدوس، قدوس قدوس".  وكأن الواحد منهم يذكر الآخر كل لحظة بهذه الحقيقة المهيمنة.  ويبين التوكيد اللفظي الثلاثي أن صفة القداسة في الله هي أكثر ما تأخذه الملائكة في اعتبارها ويأسر كيانها.  وليتنا لا نفقد الإحساس القوي بقداسة الله ونحن نتعامل معه.  وربما يلمح هذا التوكيد الثلاثي أيضاً إلى الأقانيم الثلاثة في الله الواحد التي تشترك في صفة القداسة.  ثانياً، أدرك إشعياء أن الله في قداسته المطلقة يسمو فوق كل خلائقه.  فهو متميز عن كل خليقة أخرى.  وهذا ما يفصله عنها مهما اقتربت منه.  فالسرافيم، وهي ملائكة النقاء التي لم تعرف يوماً خطية، تدرك أن مجرد التحديق في الرب في قداسته لن يكون أمراً محتملاً.  وهذا لا ينفي أنها تستمتع فوق كل حد ووصف بمجده وحضوره.  إنها ملائكة نقية تماماً.  لكنها ليست نقيةً بما يكفي.  وكانت تحاول إيصال رسالة إلى إشعياء بقولها إن مجد هذا القدوس يمل كل الأرض.  وما عليه إل أن يفتح عينيه ليرى ذلك.  وهكذا أدرك أن الرب مسيطر على الأوضاع.

 

الإنسان الخاطئ والرب القدوس

ثالثاً، أدرك إشعياء أن المشكلة الحقيقة التي تعاني منها البلاد أخلاقية لا سياسية.  فلا تكمن المشكلة في أن الملك مات، أو في أن الأخطار الخارجية تحدق بالمملكة.  بل تكمن في حياة الخطية التي يحيونها.  فخطاياهم تفصلهم عن الله القدوس.  ربما دخل النبي إشعياء إلى الهيكل وهو يعتقد أنه إنسان تقي جداً.  وهو بالمناسبة كذلك.  وربما أحس بالفارق الهائل في المستوى الأخلاقي بينه وبين الشعب البعيد عن الله.  وهو محق في هذا.  ولعله أحس بأن حالة الشعب هذه هي وحدها المشكلة.  لكن هذه المواجهة مع الله القدوس جعلت نبي الله يدرك أنه هو خاطئ أيضاً.  لم يعد يركز على خطايا غيره من قطاعات الشعب.  إذ أدرك أنه هو شخصياً خاطئ إلى حد يهدده بالموت في حضرة الله.  فإن كانت الملائكة النقية لا تجرؤ أن تنظر في وجه القدوس، فما باله يقف وينظر ويحدق؟  فأي أمل له؟  وكيف يصمد أمام كل هذا المجد الذي يراه دون حجاب؟

 

إدراك النبي لنجاسته في مرآة قداسة الرب 

يمضى إشعياء فيكمل سرده لما حدث.  "فقلت: ’ويل لي! إني هلكت، لأني إنسان نجس الشفتين، وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين، لأن عيني قد رأتا الملك رب الجنود.‘"إشعياء 6: 5.  رابعاً، أدرك إشعياء أنه لم يعد ممكناً أن يحتفظ باعتزازه ببره وتفوقه الروحي وتميزه عن غيره.  فهو يصف نفسه بنفس الصفة التي يصف فيها الشعب، "نجس الشفتين".  قد يكون أفضل منهم.  وقد يرى نفسه أعلى منهم، كما هو حال من يسكن في طابق عال ويطل منه على من هم في الشارع.   إنه يراهم صغار الحجم.  لكن الناظر إلى هؤلاء جميعاً من طائرة شاهقة الارتفاع يراهم جميعاً صغاراً.  كان إشعياء طاهراً نسبياً، أي بالمقارنة مع شعبه.  لكنه في حضرة الله خاطئ نجس هالك.  ولا شك أن أي إنسان معتز بنفسه وببره شخص لم يقابل الله بعد!

 

تدخل الله لتطهير إشعياء من الإثم

خامساً، أدرك إشعياء حاجته إلى رحمة الله وتدخله.  أدرك أنه في حاجة إلى عمل يطهره.  ولحسن الحظ، فإن الحل موجود دائماً عند الله، في مذبحه.  يقول: "فطار إلي واحد من السرافيم وبيده جمرة قد أخذها بملقط من على المذبح، ومس بها فمي وقال: ’إن هذه قد مست شفتيك، فانتزع إثمك، وكفر عن خطيتك.‘" إشعياء 6: 6-7.  لم يأت الحل من الملاك، بل من الله.  وهذا أمر مفروغ منه، إذ لا يتحرك الملاك إل بإشارة من الله.  جاء الحل من المذبح الذي يرمز إلى الصليب.  لم يطلب الرب إلى إشعياء أن ينتزع إثمه بنفسه وأن يكفر بتقدمة منه أو عمل ما عن خطيته.  فهذا أمر يتجاوز طاقة إشعياء وقدرته.  وانتزاع الإثم والتكفير عن الخطية هو من عمل الله.  ولم يكن النبي يملك إل أن يستسلم لعمل الله مع أن ذلك قد يكون حارقاً مؤلماً.  فبغير هذه الكفارة الإلهية، لا يمكن لبشر أن يحتمل وجوده في محضر الله.  ويبين هذا حاجة كل بشر, حتى الأنبياء العظام, إلى أن يكفر الله نفسه عنهم خطاياهم.

 

الرب يبحث عمن يرسله

 ومضي إشعياء قائلاً: ”ثم سمعت صوت السيد قائلاً: ’من رسل؟ ومن يذهب من أجلنا؟‘  فقلت: ’هأنذا أرسلني. "  سادساً، أدرك إشعياء أن السيد يريد إرساله في مهمة، لكنه لم يأمره بذلك أمراً.  بل ترك له مجال التطوع إن أراد.  فهذا إله يحترم إرادة خدامه.  وهو يدعوهم ولا يفرض عليهم ما لا يبدون استعداداً للقيام به.  وها قد صار إشعياء مؤهلاً لأن يرسل بعد أن طهره الله.  فالله لا يستخدم من هو غير طاهر.  إن الله قدوس، وهو لهذا يريدنا أن نكون مقدسين.  لقد خلقنا على صورته التي تتضمن في ما تتضمن إمكانية القداسة.  ولهذا يحث أبناءه المؤمنين قائلاً: "كونوا قديسين لأني أنا قدوس."1 بطرس 1: 15.  يريد السيد أن يشركنا في طبيعته.  فلا يجوز لمن يدعى الإيمان به أن يحيا حياةً مخالفةً لدعوة الإيمان المقدسة.

 

اللغة تتكلم!

لكن لا بد لنا من التوقف عند ظاهرة لغوية ذات دلالة هنا.  فالسيد يقول: "من رسل؟" مستخدماً لغة المفرد، وهو الأمر الطبيعي والمتعارف عليه في اللغة العبرية القديمة حتى عندما يتحدث الملوك أو الله.  فلم تكن لغة التفخيم والتعظيم للمتكلم معروفةً قط.  فلماذا يضيف السيد قائلاً، "ومن يذهب من أجلنا؟"؟  هذا تلميح قوي إلى أن المتكلم ينطلق في حديثه من صفته الشخصية ومن صفته التمثيلية للثالوث في نفس الوقت.  فهو يرسل باسمه الشخصي بصفته السيد والرب الذي سبق أن أرسل رسلاً كموسى في مهمات خاصة.

 

المسيح يرسل باسم الآب والابن والروح القدس 

وهو يرسل أيضاً باسم الآب والابن والروح القدس كما هو الحال في ما يسمى بالمأمورية العظمى، حين قال لتلاميذه: "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس."متى 28: 19.  وهكذا يتحول ما كان تلميحاً قوياً في العهد القديم إلى تصريح شديد الوضوح في العهد الجديد.  وهكذا يقدم لنا العهد القديم يسوع بصفته الرب القدوس، أي ذاك المنفصل بشكل مطلق عن كل خطية.  وهو لا يطيق أي ظل من ظلال الخطية.  ولا يحتمل أي شيء لا يتوافق مع طهارته الكلية التي لا سبيل إلى تصورها.  وتدفعه قداسته هذه إلى إدانة الخطية بكل أشكالها – من عبادة أوثان وسرقة وكذب واحتيال وافتراء وما إلى ذلك.  ويظهر الله قداسته في كماله الأخلاقي والتزامه الدائم بالخير والصلاح.  وهو يؤكد هذا عملياً بمعاقبته الأشرار على شرهم وبمكافأته الأبرار على برهم.  ويثبت الله ذلك حين يتعامل دون محاباة مع جميع الناس منطلقاً من المبد الأخلاقي الواحد.  فلم يكن يتغاضى عن الخطايا سواء ارتكبها أشخاص وثنيون معادون لشعبه أم شعبه نفسه.  فقد أرسل حيات لتلدغ شعبه عندما راحوا يتذمرون على الله.  فمات منهم كثيرون.عدد 21: 4.  وقسا حتى على أنبيائه حين أخطأوا.  فعاقب داود على خطيته البشعة.  وجعله يدفع ثمنها من استقرار بيته وحياة أبنائه.2صموئيل 12: 10-12  وهذا يعطى قداسة الرب مصداقيةً على الرغم من صدمتنا لما فعله داود.  يقول إشعياء: "يتعالى رب الجنود بالعدل، ويتقدس الإله القدوس بالبر."إشعياء 5: 15.  وهذا يعني أن الله القدير يتمجد بعدله، وأنه يظهر قداسته ببره.  ولن نتوقع منه إل هذا.  لكن ألا تختلف الصورة حين ننظر إلى معاملات الله مع البشر ونرى أنها تتسم بقسوة ظاهرة؟ هذا هو الموضوع الذي سنتناوله في الفصل القادم.

 

أسئلة الفصل الثاني والعشرين

كيف نعرف من العهد الجديد أن الرب الذي رآه إشعياء في إشعياء هو المسيح؟

لماذا خاف النبيّ إشعياء على نفسه عندما أدرك أنه في حضرة الرب؟

كيف تمّ التكفير عن خطية إشعياء؟

ما هي دلالة استخدام كل من صيغتي المفرد والجمع في قول الرب "من أُرسل، من يذهب من أجلنا"؟

ما معنى أن الله "قدوس"؟

 


www.agape-jordan.com - 2005