الصفحة الرئيسية  | رسالة حب الآب اليك  |   الله و انت   |  تغيرت حياتهم  |  من هو يسوع ؟  |  كلمات شافية  |   فلم حياة السيد المسيح | اتصل بنا  

 

المسيح القدوس (4)

الفصل الخامس والعشرون

سنتناول في هذا الفصل تجربة إبليس ليسوع، أي محاولة إبليس إغواءه على ارتكاب أية خطية.

تعرض يسوع للتجارب يبين ناسوته الكامل

يقدم لنا العهد الجديد يسوع المسيح في حياته البشرية بصفته "مجرباً في كل شيء مثلنا."عبرانيين 4: 15.  ويترتب على هذا أمران.  أولاً، لم يكن يسوع معفىً من الإغواء من إبليس في أي مجال من مجالات طبيعته البشرية.  وإن مجرد تجربة يسوع له تعني أن فيه جانباً بشرياً يصوب نحوه إبليس سهام تجاربه، وإل فليس للتجربة معنى أصلاً.  ثانياً، من المنطقي أن نستنتج أن يسوع تعرض لتجارب إبليس في كل مراحل وعيه البشري قبل أن يبد خدمته العلنية.  وبغير ذلك لا يكون قد عاش حياةً بشريةً طبيعية.

 

التجربة مرحلة لا بد منها

وتأتي تجربة إبليس الشهيرة له بعد دخول المسيح الفعلي ميدان الخدمة العلنية.  ولا شك أنها حلقة هامة في سلسلة التجارب التي تعرض لها يسوع على مدى حياته الأرضية كلها.  فماذا كانت طبيعة تلك التجربة؟

يقول الوحي: "ثم صعد يسوع إلى البرية من الروح ليجرب من إبليس. فبعد ما صام أربعين نهاراً وأربعين ليلةً، جاع أخيراً.  فتقدم إليه المجرب وقال له: ’إن كنت ابن الله فقل أن تصير هذه الحجارة خبزاً.‘ فأجاب وقال: ’مكتوب: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله.‘  ثم أخذه إبليس إلى المدينة المقدسة، وأوقفه على جناح الهيكل، وقال له: ’إن كنت ابن الله فاطرح نفسك إلى أسفل، لأنه مكتوب: إنه يوصي ملائكته بك، فعلى أياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك.‘  قال له يسوع: "مكتوب أيضاً، لا تجرب الرب إلهك.‘  ثم أخذه أيضاً إبليس إلى جبل عال جداً، وراه جميع ممالك العالم ومجدها.  وقال له: ’عطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لي.‘  حينئذ قال له يسوع: ’اذهب عني يا شيطان!  لأنه مكتوب: للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد.‘  ثم تركه إبليس، وإذا ملائكة قد جاءت فصارت تخدمه."متى 4: 1-11.

 

انقياد يسوع بالروح

توجد عدة ملاحظات هنا.  أولاً، إن الروح القدس هو الذي اقتاد يسوع إلى البرية.  لم يكن يسوع يتحرك هنا وهناك وفق أهواء أو مزاج متقلب أو ظروف طارئة أو إيحاءات الآخرين.  ومن المؤكد أن إبليس لم يكن هو الذي أوحى له بالذهاب إلى ذلك المكان.  وما دام المرء يضع في نفسه تحت تصرف الروح القدس، أي روح الله، فإنه يستطيع أن يتأكد أنه سينال عونه عند الحاجة.  فلننتبه إلى أين نذهب وإلى ما يدفعنا إلى ذلك.  ويقول النص الموازي في لوقا: "أما يسوع فرجع من (نهر) الأردن ممتلئاً من الروح القدس.  وكان يقتاد بالروح في البرية أربعين يوماً وأربعين ليلةً يجرب من إبليس."لوقا 4: 1-2.  إن من لا يمتلئ بالروح القدس شخص خاو يمكن لأي شيء تافه أن يغريه ويمل خواءه.  أما يسوع فلم يترك أي فراغ يمكن أن ينفذ منه إبليس.

 

يسوع بين الوحوش 

ويضيف مرقس إلى هذه الصورة القول إن يسوع "كان مع الوحوش". لوقا 1: 13.  ويبين هذا أن الوحوش المفترسة لم تقدر أن تضر يسوع لأنها تعرفه بصفته خالقها.  ويشير في تطبيقه علينا نحن المؤمنين أن الله كفيل بأن يحمينا حيث يدعونا.  وربما يصور أيضاً تعبير "الوحوش" الهجمات الشرسة التي حاول إبليس أن يشنها على ذهن يسوع ومشاعره مع ما يرافق ذلك من اضطراب الانفعالات.

 

معنى الصوم

ثانياً، صام يسوع عن تناول الطعام، لا الشراب, أربعين يوماً، وهذا أمر مكنه الله من فعله.  فهو يمدنا بالقوة اللازمة لعمل ما يدعونا إليه.  ولا شك أن الصوم المقرون بالصلاة وسيلة فاعلة من وسائل الاقتراب إلى الله.  وكأن لسان حال الصائم يقول لله: "أحبك فوق الطعام.  وأنت أهم لي من حاجاتي المادية والجسدية.  أنا لا أعتمد على جسدي وقوتي، وإنما عليك أنت، يا الله.  ويدل صومي هذا على جديتي في طلبك."  أما بالنسبة للجسد، فلسان حال الصائم هو: "أنا سيدك يا جسدي، ولست أنت سيدي.  لن تفرض علي ما تريد.  بل سأفرض عليك أنا أن تخضع لي في رغبتي في الخضوع لله، سأجعلك، يا جسدي، أداةً في يد الله وتحت سيطرته، لأنك له."

 

إبليس يكثف هجومه

ثالثاً، لم يأت إبليس أو المجرب ليجرب المسيح في نهاية الأربعين يوماً فقط.  لكنه، كما هو واضح من نص لوقا، كان يجربه بطرق مختلفة على نحو يومي.  وهكذا تأتي التجربة التي نحن بصددها تكثيفاً لتجارب إبليس السابقة على مدى الأربعين يومياً.  ويشير هذا إلى إصرار إبليس الأكيد على استخدام كامل ترسانته من الأسلحة ضد يسوع.  فهل نصمد نحن أيضاً، أم نستسلم من أول هجوم؟

 

سد جوعك بنفسك!

رابعاً، احتفظ إبليس بأشرس هجماته إلى أن نهك الجوع والتعب يسوع.  ففي مثل هذا الظرف، قد يكون المرء غير قادر على التفكير السليم والتركيز, خاصةً مع الإحساس المتوقع بالدوار.  وربما ينسى المرء هويته وقصده.  وهذا هو ما هدفت إليه التجربة الأولى، "إن كنت ابن الله فقل أن تصير هذه الحجارة خبزاً."  قد يظهر إبليس هنا وكأنه يريد أن يجرب اللاهوت.  لكن اللاهوت فوق التجربة.  لأن "الله غير مجرب بالشرور."يعقوب 1: 13.  وإن وجود أداة الشرط "إن" التي تفيد التشكيك يبين أن الجانب البشري هو المستهدف.  فاللاهوت لا يشك ولا يتعب ولا يجوع.  وإن جوهر التجربة هنا هو ما يلي: "أنت تتضور جوعاً.  ولا حل أمامك إل أن تتولى مصيرك بنفسك.  سد حاجتك بنفسك. ولا داعي لانتظار الحل الإلهي الذي يبدو أنه لن يأتي أبداً.  فهذه الحال المزرية لا تليق بك.  تدبر أمرك بنفسك قبل أن يفوت الأوان."

 

من أهم: الجسد أم رب الجسد؟

"مكتوب: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان."  الخبز أو الطعام حاجة أساسية لا تنكر.  وليس في البحث عنها خطية أو مشكلة.  لكن المسألة هي أين يبحث الإنسان عن هذا الخبز، وهل هو مستعد أن يدفع أي ثمن للحصول عليه؟  وهل يتنازل المرء عن مركزه وامتيازاته مقابل أن يسكت جوع معدته، كما فعل عيسو عندما باع حقوق بكوريته لأخيه يعقوب مقابل وجبة طعام.تكوين 25: 27-34.  إن الخبز ضروري للجسد، لكنه ليس الاعتبار الوحيد، ولا حتى الاعتبار الأول في حياة رجل الله.  فهو يحيا "بكل كلمة تخرج من فم الله."

 

جسدي يصرخ جوعاً للطعام لكن روحي تصرخ جوعاً لله

لا يتعلم رجل الله حاجته من الناس ولا يقلدهم في ما يسعون إليه.    فهو يبحث عن خبز الروح أولاً ويؤسس حياته على المبادئ التي وضعها الله في كلمته.  وما هو مكتوب يشكل قالب كل اقتناع لديه.  فالحياة أكبر من الخبز.  والحياة الحقيقية هي عند الله.  هذه هي الحقيقة التي يحيا بموجبها.  فلسان حال يسوع هنا هو: "كيف أركز على حاجة جسدي وأنسى حاجة روحي؟  وما حاجتي إلى جسدي أصلاً إذا لم أستطع استخدامه لمجد الله؟  وكيف أستطيع أن أمجد الله بجسد لا أقوته وفق مبادئ الله؟"

 

يسوع قادر على تحويل الحجارة إلى خبز

توجد ملاحظة أخيرة في ما يتعلق بالتجربة الأولى.  فإبليس يعترف بأن يسوع قادر على الخلق بكلمة منه بصفته ابن الله: "إن كنت ابن الله، فقل أن تصير هذه الحجارة خبزاً." وتأتي التجربة الثانية: "إن كنت ابن الله فاطرح نفسك إلى أسفل، لأنه مكتوب: أنه يوصي ملائكته بك، فعلى أياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك."

 

إبليس يحرف طريقة تطبيق كلام الله

ما دام المسيح قد استخدم كلمة الله في مواجهة إبليس، فلماذا لا يستخدم إبليس نفس هذا السلاح ضده؟  وكل ما عليه أن يفعله هو أن يستخدم هذا السلاح المشروع في غير موضعه.  ولسان حال إبليس هنا هو: "لا يمكنك أن تتعرض لأي أذى مهما فعلت.  أنت محمي تماماً إن كنت ابناً لله، وإن كان الله قادراً على حمايتك كما يقول في كلمته, فلديك وعود في الكتاب المقدس يمكن أن تكون مرتكزاً لأي تصرف متجاسر.  ضع نفسك في موضع الخطر الظاهر.  فلا توجد أية مخاطرة حقيقية أو أي أذى محتمل.  فإذا كان الله صادقاً أو أميناً، فهو ملزم بأن يحميك.  وستكتشف هذا بنفسك.  فلا تتردد في فعل ما يخطر ببالك.  فقد يكون هذا من الإيمان العظيم!"

"مكتوب أيضاً: لا تجرب الرب إلهك." لا يوجد عيب في الآية التي اقتبسها إبليس ليجرب بها المسيح.  فهي من كلام الله.  لكن المطلوب هو أن يتأكد المؤمن من المعنى المقصود وسياقه وتطبيقاته المشروعة.  فإن لم يفعل، فقد يجد نفسه يخالف مبدأً كتابياً صريحاً في إساءته تطبيق آية أو نص ما.  فكلمة الله تحثنا على أن نهتم "بما يعلمه الروح القدس قارنين الروحيات بالروحيات."1 كورنثوس 2: 13.

 

لن أتجاسر فخضع الله لتجربةأنه مكتوبأأ

كان لسان حال إبليس وهو يخاطب يسوع:  "أنت مطالب بالبرهنة عن هويتك كابن لله عن طريق المعجزات.  وهذه هي الطريقة الأكيدة للتيقن من مركزك في الله ومن صدق وعوده."  أما لسان حال المسيح فهو: "أنا في حاجة أن أبرهن أني أثق بالله وبكلمته دون مطالبته بإجراء معجزة من أجلي."  لا يبحث يسوع عن معجزة لأغراض شخصية بحتة من أجل مصلحة ضيقة أنانية لا تمجد الله.  ومن المؤكد أن يسوع لن يلج إلى المعجزات للحصول على تصفيق الناس وإعجابهم على طريقة البهلوانات في السيرك."  والسؤال هنا:  ماذا لو لم يجر الله المعجزة التي نطالبه بها؟  هل يكون الله عندئذ قد فشل في امتحان الصدق والأمانة الذي أخضعناه له؟  حاشا! فالله ناجح في هذا دون انتظار لنتيجة أي امتحان!  ولعله يجدر بنا أن نقلق على أمانتنا نحن, لا على أمانته.  إنه لأمر غير مقبول عند يسوع أن نضع شروطاً لاتباع الله.  فلنمتحن دوافعنا عندما نطالب الله بتحقيق وعوده.

إن السؤال الهام هنا هو: لماذا نطالب بالمعجزات؟  هل نفعل ذلك انطلاقاً من شك يحتاج إلى يقين، أم انطلاقاً من يقين يتوق إلى أن يرى مجد الله.  قال يسوع لمرثا:  "إن آمنت ترين مجد الله."يوحنا 11: 40 

 

اخضع لي وسأعطيك كل ما لدي!

وتأتي التجربة الثالثة.  "ثم أخذه أيضاً إبليس إلى جبل عال جداً، وأراه جميع ممالك العالم ومجدها.  وقال له: أعطيك هذه كلها إن خررت وسجدت لي."  يجب التوكيد هنا أن التجربة أو الإغراء بالخطية في حد ذاته ليس خطية.  لكن الخطية هي التجاوب مع التجربة أو الرضوخ لإغراء الخطية.  فيسوع رأى ممالك الشر وما تتضمنه من بريق زائف وشهوات زائلة, لكنه رفضها.  ولسان حال إبليس هنا هو:  "لماذا تمشي في الطريق الصعبة المكلفة؟  لماذا تسلك طريقاً ستقودك إلى الآلام والصليب والموت من أجل الآخرين؟  فكر في نفسك.  وأنا أقدم لك طريقاً مختصرةً إلى المجد دون صليب ودون حاجة إلى تضحيات لا ضرورة لها.  والثمن المطلوب هو أن تسجد لي!  وأنت الرابح!"

وبطبيعة الحال فإن لسان حال يسوع هو: "اطلبوا أولاً ملكوت الله وبره."  جاء يسوع ليؤسس ملكوت الله.   ولهذا فإن ممالك إبليس لا تدخل في حساباته، مع أنها قد تعطيه راحةً فوريةً من وضعه الحالي المزري.  وهكذا صمد يسوع، لأنه يعرف هوية الإله المستحق للسجود.  رفض يسوع أن يكون جزءاً من النظام العالمي الموضوع في الشرير وخدمته, مع أن المنصب الذي عرضه إبليس عليه قد يكون مغرياً جداً لغيره.

 

ليست المسألة مسألة أجوبة ذكية عن أسئلة خبيثة

إننا تخطئ إذا تصورنا أن المسألة كانت مجرد مسألة بحث عن جواب نظري مناسب لسؤال خبيث يطرحه إبليس.  فالمسألة هي مسألة مواقف على المحك. إنها مسألة قرارات مصيرية يجب أن تتخذ, ليس في ظروف مريحة مواتية, وإنما تحت ظروف الحاجة الماسة.

 

ما أأنت في نظر إبليس إل ضحية محتملة له

لنحذر من إبليس.  فعروضه كاذبة, وصفقاته غير مضمونة.  وليس لديه إل الخراب والندم والموت.  فبضاعته زائفة.  قد يقدم إبليس لمن يرضى بأن يعمل عنده مرتباً يبدو عالياً، لكن من المؤكد أن التقاعد عنده سيء جداً!  فهو الجحيم الأبدي.  فلنحذ حذو يسوع ونرفض إبليس وبضاعته. نجح يسوع في التجربة. . أحرز انتصار كممثل للبشر على إبليس, فحسب انتصاراً لنا.  فأرسل الله ملائكته لسد حاجته الجسدية. "وإذا ملائكة قد جاءت فصارت تخدمه. وهو قادر أن يعيننا نحن أيضاً على الصمود والانتصار.

 

أسئلة الفصل الخامس والعشرين

من الذي قاد يسوع إلى البرية لكي يجرب من إبليس؟

ماذا كان الهدف من تجربة إبليس الأولى ليسوع: "إن كنت ابن الله فقل أن تصير هذه الحجارة خبزاً"؟

ماذا كان الهدف من تجربة إبليس الثانية ليسوع: "إن كنت ابن الله فاطرح نفسك إلى أسفل..."؟

ماذا كان الهدف من تجربة إبليس الثالثة ليسوع؟

ما هو القاسم المشترك في كل ردود يسوع على إبليس؟

 


www.agape-jordan.com - 2005