الصفحة الرئيسية  | رسالة حب الآب اليك  |   الله و انت   |  تغيرت حياتهم  |  من هو يسوع ؟  |  كلمات شافية  |   فلم حياة السيد المسيح | اتصل بنا  

 

المسيح كابن الله (3)

الفصل الحادي والثلاثون

 

  نواصل تأملنا في هذا الفصل في أزلية بنوة المسيح لله وبعض مضامينها ومعانيها.

 

"الابن" اسم يدل على علاقة فريدة مع الله

ينفرد يسوع في بنوته لله الآب.  فهو ابن لله الآب بصورة لا تنطبق على غيره أبداً.  ولهذا يسمى "الابن الوحيد" (مثلاً يوحنا 1: 14؛ 1: 18؛ 3: 16؛ 3: 18)، أي الفريد من نوعه أو جنسه. ويضعه هذا في فئة خاصة به لا يشترك معه فيها أحد.  فأبوة الله الآب له تختلف عن أبوته لأية فئة من الكائنات، لأن علاقة الله الآب به تختلف اختلافاً جوهرياً عن علاقته بأي من الكائنات. ولهذا لا يجوز التقليل من قيمة هذه البنوة بأية صورة من الصور.  وسبق أن بينا أن كلمة الله تستخدم تعبير "ابن الله" في تطبيقه على المسيح كاسم شخصي له، لا كمجرد لقب.  ومما يؤكد هذا أن الوحي يكتفي في حالات كثيرة بالإشارة إلى المسيح بصفته "الابن" (مثلاً 3: 37،36،35؛ 5: 26،23،22،21؛ عبرانيين 1: 8؛ متى 28: 20) فقط، دون خوف من التباس.  وهنا يصير تعبير "الابن" أيضاً اسماً شخصياً ليسوع المسيح.  وتعبير "الابن" بأل التعريف هذا أمر لا يشترك فيه أحد معه.

 

بنوة وبوة أزليتان 

وهنالك تعبير آخر بنوي ينفرد به السيد، ألا وهو "ابن الآب" (2يوحنا 3؛ انظر أيضاً يوحنا 17: 1؛ 1 يوحنا 1: 3).  فهو بهذا يشير إلى علاقة ضمن الثالوث لا علاقة لها باعتبارات طارئة أو متغيرة أو زمنية.  وبالمناسبة فإن نفس الأمر ينطبق على تعبير "الابن" كما في قول المسيح "عمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس." (متى 28: 20) فالابن هنا هو اسم شخصي للأقنوم الثاني في الثالوث الواحد الجوهر.  فالذي كان الآب منذ الأزل أرسل ذاك الذي كان الابن منذ الأزل إلى العالم.  ويخاطب الابن الآب بهذه الصفة مشيراً إلى وضع كان موجوداً قبل تأسيس العالم.  هكذا عرفه في الأزل، وهكذا يخاطبه الآن.  فلم تتغير العلاقات.  فالآب هو آب المسيح منذ الأزل. والمسيح هو ابن الله الآب منذ الأزل أيضاً.  إذ يقال إن المسيح أو الحياة الأبدية كانت "من البدء... عند الآب." (متى 1:1-2) وهذا يعني أن الآب اسم شخصي للأقنوم الأول، كما أن الابن هو اسم شخصي للأقنوم الثاني.  ولا بد أن يكون اسم الكائن الأزلي أزلياً.  فلم يصبح الآب آباً بعد أن لم يكن.  ولم يصبح الابن ابناً بعد أن لم يكن.  فالأبوة كما البنوة هنا أمران دائمان غير متغيرين.  فهما مرتبطان بالأزل والأبد.  ولا تحتمل الأمور الإلهية الأزلية أي تغيير.  فأي تغيير في تلك العلاقات الأزلية سيعني بالضرورة تغييراً في الله.  وهذا غير معقول وغير مقبول.  وهكذا فإن بنوة الابن للآب هي بنوة قبل الزمن وأثناء الزمن وبعد الزمن.

 

البنوة كرامة ومجد 

يطلعنا السيد على بعض لمحات من حالة كينونته الأزلية مع الآب في حديثه إليه.  يخاطب الآب قائلاً: "والآن مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل تأسيس العالم" (يوحنا 17: 5).  لقد كان الابن على الدوام في حالة مجد عند الله الآب في الأزل.  فالبنوة مجد وكرامة، لا تبعية ودونية.  لا يستخدم الوحي كلمة "ابن" في استصغار، ليقول إنه "مجرد" ابن.  بل يستخدم كلمة الابن في توكيد واعتزاز وإكرام دال على المساواة.  يقول المسيح "لأن الآب لا يدين أحداً، بل أعطى كل الدينونة للابن، لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب."  وهكذا يوكل الآب للابن مسؤولياته, وهو يريد أن يقدم الجميع لابنه نفس التكريم الذي يقدمونه له.  فكرامة الابن هي من كرامة أبيه، وعلى نفس المستوى.  ومن هنا يقول: "من لا يكرم الابن لا يكرم الآب الذي أرسله."

 

الإيمان بالابن يتضمن الاتكال عليه

ويستلزم هذا الإكرام المتساوي الإيمان بالابن، أي الاتكال عليه، بنفس طريقة الإيمان بالآب والاتكال عليه دون أي تناقض.  قال يسوع لتلاميذه: "أنت تؤمنون بالله، فآمنوا بي."وكما يقول داود بالوحي عن الابن, "طوبى لجميع المتكلين عليه." (مزمور 2: 12)

ويتطلب الإيمان بالمسيح كابن لله عبادته.  عندما سأل يسوع الرجل المولود أعمى الذي شفاء: "أتؤمن بابن الله؟"  أجاب ذاك وقال: "من هو يا سيد لأؤمن به؟"  قال له يسوع: "قد رأيته، والذي يتكلم معك هو هو!"  فقال: "أؤمن يا سيد!"  وسجد له.* وكما يقول داود في مزموره الثاني:" اعبدوا الرب بخوف, واهتفوا برعدة. قبلوا الابن لئل يغضب فتبيدوا من الطريق."

 

بنوة خارج نطاق الخلق

وما دامت هذه البنوة هي "قبل تأسيس العالم" كما يقول الوحي, فإنها خارج نطاق الخلق أو أي تصور لإنجاب من العدم.  فالأب لا يخلق ابنه.  بل يخرج ابنه منه كما يخرج النوع من النوع.  ولهذا يقول عن المسيح: "وكان الكلمة الله," أي من نفس جوهر الله الآب.  تستلزم الأبوة تلازماً وتزامناً مع البنوة.  فلا يوجد أب دون ابن، ولا ابن دون أب.  فالآب الأزلي يتطلب ابناً أزلياً.  ويستلزم الابن الأزلي آباً أزلياً.

 

البنوة تعني المسواة

تعني البنوة المساواة مع الآب نظراً لأن الابن هو بالضرورة من نفس طبيعة الآب وجوهره.  وإذا كان هذا غير واضح تماماً في لغتنا اليوم، فلقد كان واضحاً وضوح الشمس لليهود الذين كان المسيح يتحدث إليهم.  يقول الوحي: "فمن أجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه، لأنه لم ينقض السبت فقط، بل قال أيضاً إن الله أبوه، معادلاً نفسه بالله." (يوحنا 5: 18) إذاً لا يعني تعبير "ابن الله" كائناً أدنى من الله، بل مساوياً له.

 

ابن الله هو الله

وقال السيد: "أنا والآب واحد".  فتناول اليهود أيضاً حجارةً ليرجموه.  أجابهم يسوع: "أعمالاً كثيرة حسنةً أريتكم من عند أبي.  بسبب أي عمل منها ترجمونني؟"  أجابه اليهود قائلين: "لسنا نرجمك لأجل عمل حسن، بل لأجل تجديف، فإنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهاً (أي الله)." (يوحنا 10: 30-33) لقد فهموا حق الفهم ما قاله يسوع، وأدركوا كامل تضمينات تصريحه.  لكنهم لم يقبلوها.

 

ليس في البنوة دونية وتبعية 

لا تعني البنوة في الكتاب المقدس خضوع الدونية والتبعية.  إذ لم يكن الابن يوماً أدنى من الآب السماوي.  لكنه وضع نفسه طواعيةً في مركز الخضوع عند تجسده على الرغم من كونه ابناً.  يقول الوحي إن المسيح "مع كونه ابناً تعلم الطاعة مما تألم به." (عبرانيين 5: 8) نرى هنا كيف تختلف البنوة الإلهية عن البنوة البشرية.  لم تكن علاقة الابن بالآب في الأزل علاقةً يسيطر فيها الآب على الابن وتستوجب خضوع الابن للآب.  بل كانت علاقة شركة ومحبة ومشورة أزلية ومساواة كاملة في كل شيء.  لكن السيد تواضع وصار إنساناً.  فصارت الطاعة لله الآب جزءاً من خبرته البشرية.  وهذا هو ما يتضمنه تعبير "تعلم الطاعة".

 

طاعة غير مفروضة

وضمن هذا السياق قال يسوع: ’أنا قد حفظت وصايا أبي" (يوحنا 15: 10).  ولا شك أنها طاعة ضمن المهمة المرسومة والمتفق عليها وفق المشاورات الإلهية الأزلية.  ولا يمكن أن يكون المسيح كإنسان خارج طاعة الله.  ومن الجدير بالذكر أن وصايا الآب هي نفسها وصايا الابن.

 

البنوة تتضمن الاتكال

وفي سياق تواضع المسيح، تعني بنوة المسيح اتكاله كإنسان عليه.  قال اليهود: "قد اتكل على الله، لأنه قال: "أنا ابن الله."(متى 27: 42)

 

البنوة تتضمن الملكية المشتركة

تتحدث البنوة عن غنى الابن.  قال يسوع لتلاميذه: "كل ما للآب هو لي." (يوحنا 16: 15) وتتحدث أيضاً عن الملكية المشتركة الكاملة بين الآب والابن.  قال يسوع للآب: "كل ما هو لي فهو لك، وما هو لك فهو لي." (يوحنا 17: 19) وهو بهذا المعنى الوارث.  يتحدث الوحي في الرسالة الأولى إلى العبرانيين الابن بصفته ذاك " الذي جعله (الله) وارثاً لكل شيء." ولهذا فإن لديه الكثير مما يقدر أن يعطيه لنا.

 

تنطق البنوة بالقرب

وتتحدث البنوة عن القرب.  خاطب يسوع الآب قائلاً: "خرجت من عندك." (يوحنا 17: 8) كان الابن على الدوام في حالة الشركة والوحدة مع الآب.  وهذا هو ما يوحي به قول الوحي عن المسيح: "وكان الكلمة الله." (يوحنا 1:1)

 

البنوة محبة

وتتحدث الأبوة عن المحبة القوية.  خاطب الابن الآب قائلاً: "أحببتني قبل إنشاء العالم." (يوحنا 17: 24) فالبنوة تمتع دائم بمحبة الآب.  فالابن كان على الدوام موضوع محبة الآب، وسيظل كذلك.  بل إن المحبة هي أكبر سمات هذه العلاقة.  فالابن هو "ابن محبته." (كولوسي 1: 13)، كما تقول كلمة الله.

 

تنطق البنوة بالمعرفة الوثيقة

وتتحدث البنوة أيضاً عن المعرفة الوثيقة المباشرة الشخصية.  خاطب يسوع أباه السماوي قائلاً: "إن العالم لم يعرفك، أما أنا فعرفتك." (يوحنا 7: 25) وهذه معرفة غير متاحة لأحد غيره.  تقول كلمة الله "الله لم يره أحد قط.  الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر" (يوحنا 1: 18).  وليس المقصود هنا نقل الخبر, بل الكشف الشخصي.  وقال: "ليس أن أحداً رأى الآب إل الذي من الله.  هذا قد رأى الآب." ( يوحنا 6: 46) وقال: "أنا أعرفه لأني منه." (يوحنا 7: 29) والمعرفة الكاملة مشتركة بينهما ومقصورة عليهما.  قال السيد: "وليس أحد يعرف الابن إلا الآب، ولا أحد يعرف الآب إلا الابن ومن أراد الابن أن يعلن له." (متى 11: 27) وهكذا يصبح الابن مفتاح معرفتنا للآب، فمن أراد أن يعرف الآب، عليه أن يعرف الابن أولاً.  قال لليهود: "لو عرفتموني لعرفتم أبي أيضاً." (يوحنا 8: 19) فسمات الآب وصفاته موجودة كلها في الآب.  وما على المرء إل أن ينظر إلى الابن ليرى الآب.  يقول يسوع: "الذي رآني فقد رأى الآب." (يوحنا 14: 9)

 

وحدة القصد والتعاون

وتتحدث البنوة عن وحدة القصد والتعاون والعمل المشترك من أجل تحقيقه.  وفي هذا السياق يعمل الآب والابن نفس الأعمال.  قال السيد: "أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل." (يوحنا 5: 17) وهو بهذا يضع أعماله على نفس مستوى أعمال أبيه.  ويضرب مثلاً على ذلك فيقول: "لأنه كما أن الآب يقيم الأموات ويحيي، كذلك الابن أيضاً يحيي من يشاء." (يوحنا 5: 21)

 

البنوة تتضمن السلطة المفوضة

وتتحدث البنوة عن السلطة الكاملة.  ولهذا يقول السيد: "دفع إلي كل سلطان في السماء وعلى الأرض."  وهو يمارسها ويفوض بشراً باسمها قال لتلاميذه: "فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم.  وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس." (متى 28: 20)

 

الناطق الشخصي الوحيد باسم الله

وكما يتحدث الابن البكر باسم العائلة كلها، يتحدث المسيح ممثلاً الآب ومعبراً عن نفسه شخصياً.  وفي هذه الحالة، فإن الله هو الذي يتكلم شخصياً في الابن، ولا يكون الابن مجرد واسطة لتوصيل رسالة كما كان الحال قديماً مع الأنبياء.  ولهذا يقول الوحي: "الله بعد ما كلم الآباء بالأنبياء قديماً، بأنواع وطرق كثيرة، كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه." (عبرانيين 1:1) وبهذا الوعي يستشعر السامع نبرة الثقة والسلطة في كلام يسوع عندما كان يقول: "سمعتم أنه قيل... أما أنا فأقول." (مثلاً متى 5: 21- 22، 27-28، 31-32، 33-34، 38-29، 43-44) فكان يضع كلامه فوق كل ما سبق أن قيل.

 

بنوة لا تخالطها دلالات جسدية أو جنسية

ولعل المستمع الكريم قد لاحظ هنا غياب أية إشارات إلى أية أبعاد جنسية لبنوة المسيح لله.  فهذه أمور لا تليق بالله الذي هو روح.  والملاحظ في هذا السياق أن كلمة الله تقول إن المسيح هو ابن الله لا ولد الله.  أما إذا كان هنالك من يصر على نفي ما لا نثبته، وعلى استنكار ما لا نقوله أصلاً، فإنه يقحم نفسه في ما يسمى "حوار الطرشان".  وهو أمر يكون الخوض فيه بلا طائل.

 

أسئلة الفصل الحادي والثلاثين

1. ما مدلول تعبير "الابن الوحيد" الذي يطلقه الوحي الإلهي على يسوع المسيح؟

2. اذكر آية تبين أن الوحي لا يستخدم تعبير "الابن" في تطبيقه على المسيح بصورة تنم على التصغير؟

3. ما هي بعض مدلولات بنوة المسيح لله؟

4. لماذا لا يمكن أن يكون المسيح ابن الله بالتناسل؟

 


www.agape-jordan.com - 2005