الصفحة الرئيسية  | رسالة حب الآب اليك  |   الله و انت   |  تغيرت حياتهم  |  من هو يسوع ؟  |  كلمات شافية  |   فلم حياة السيد المسيح | اتصل بنا  

 

المسيح كملاك الرب (3)

الفصل التاسع

سنتناول في هذا الفصل تعبير "ملاك الرب" ونحاول استكشاف دلالته في انطباقه على السيد المسيح في العهد القديم.

 

دخول ملاك الرب إلى الزمن لتوجيه الأمور 

 سبق أن قلنا إن السيد المسيح كان يخرج بين الفينة والأخرى من عرينه الأزلي ليعرج على عالمنا المحدود بالزمن.  وكان السيد يتدخل في مسار شعوب وحياة أشخاص وتطور أحداث كما يشاء.  وكان واضحاً أن ذاك الذي خلق الأرض وما عليها لن يتركها لكي يعبث بها البشر على هواهم.  وأظهر الله أنه مستعد للتدخل بشكل مباشر ومنظور عندما تقتضي الحاجة.  لكن لماذا هذا الإصرار من الوحي الإلهي على تسمية المسيح في ظهوراته في العهد القديم "ملاكاً".  لقد اتخذ بعضهم من هذه التسمية حجةً للقول إن المسيح كان أحد ملائكة الله قبل تجسده كجبرائيل وميخائيل.  ولهذا صار ضرورياً أن نلقي مزيداً من الضوء على هذه المسألة.  فإن لم نحسم هذا الأمر، فإننا نسمح للشك بأن يتطرق إلى هويته ولاهوته.

 

معنى تعبير "ملاك الرب" 

 لا تدل كلمة "ملاك" في تعبير "ملاك الرب" على فئة أو فصيلة من الكائنات السماوية المخلوقة.  فهي تعني في أصلها العبري "مرسل" أو "مفوض"، وهي مرتبطة على الدوام تقريباً بكلمة "يهوه" في حالة الإشارة إلى السيد المسيح قبل تجسده.  فكيف يختلف ملاك يهوه هذا، أي المسيح في ظهوراته القديمة، عن الملائكة؟

 

مختلف عن الملائكة       

لقد وجد كاتب الرسالة إلى العبرانيين أن من المناسب حسب قيادة روح الله له أن يبين هذا الفرق.  يقول إن الابن، أي المسيح، "جلس في يمين العظمة في الأعالي، صائراً أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث اسماً أفضل منهم."عبرانيين 1: 3-4 وكما سبقت الإشارة في فصل سابق، لا تجلس الملائكة في حضرة الله؛ بل تظل واقفةً متأهبةً لتنفيذ أي أمر يوجه إليها.  فما بالك أن تجلسً في يمين الله، وهو الأمر الدال على مكانة الكرامة والراحة بعد الفروغ من عمل الفداء العظيم.  ونحن نحتكم في هذا النص إلى الدليل اللغوي في اختلاف المسيح عن الملائكة.  يقول عن المسيح: "صائراً أعظم من الملائكة."  فهو بهذا ينفي أن يكون واحداً منهم. ولو أراد أن يقول غير ذلك للج إلى تغيير الصياغة.  إذ كان ضرورياً له أن يقول:  صائراً أعظم الملائكة.  لكنه لم يقل ذلك. لكن وجود حرف الجر "من" هنا يفصل بين الطرفين المتقابلين.  فالمسيح الابن هو فئة لوحده، والملائكة فئة أخرى مختلفة تماماً.  وفضلاً عن ذلك فإن الوحي جعل درجة تميز المسيح عن الملائكة معتمدةً على الاسم الذي ورثه. فهو هنا لم يصنع لنفسه اسماً بعد أن لم يكن له اسم.  لكنه حصل على هذا الاسم عن طريق الوراثة، أي الانتساب إلى الله. أما الملائكة فلا يشار أبداً إلى أن الله هو أبوهم بنفس طريقة بوته للمسيح.  ولهذا كان للابن اسم أفضل منهم.

 

هو الابن المستحق للسجود 

ويدخل الوحي الإلهي إلى تفاصيل هذا الفرق.  يقول:  "لأنه لمن من الملائكة قال قط: ’أنت ابني.  أنا اليوم ولدتك‘؟  وأيضاً:  ’أنا أكون له أباً وهو يكون لي ابناً‘؟  وأيضاً متى دخل البكر إلى العالم يقول: ’ولتسجد له كل ملائكة الله.‘  وعن الملائكة يقول:  ’الصانع ملائكته رياحاً وخدامه لهيب نار.‘  وأما عن الابن:  ’كرسيك يا الله إلى دهر الدهور.‘"عبرانيين 1: 5-8.

 يفرق الوحي هنا بين السيد المسيح والملائكة من ثلاث نواح.  أولاً، يتفرد المسيح في أنه ابن الله وفي أن الله أبوه.  ولو أنه كان من بين الملائكة لقال:  "لمن من الملائكة غيره قال: أنت ابني.  لكنه لم يقل ذلك.  ثانياً، الملائكة مأمورون بأن يسجدوا له.  والسجود هو العلامة الخارجية للعبادة.  فهم العابدون وهو المعبود. ثالثاً، الملائكة مخلوقون، وهم خدام لله ولابنه هذا.  أما الابن فيعطى لقب الله بكل ما يتضمنه ذلك من امتيازات وحقوق له وواجبات ومسؤوليات مترتبةً على الآخرين.  ويمضي الوحي في إظهار استحقاق المسيح لهذا اللقب.  إذ يقول عن الابن: "’وأنت يا رب في البدء أسست الأرض.  والسماوات هي عمل يديك.  هي تبيد ولكن أنت تبقى، وكلها كثوب تبلى، وكرداء تطويها فتتغير.  ولكن أنت أنت، وسنوك لن تفنى.‘"

 

الملائكة مخلوقون

وهكذا يختلف السيد عن الملائكة في أنه الخالق.  أما الملائكة فوجدوا بعد أن لم يكونوا.  والمسيح غير قابل للتغير.  لن تختفي أية صفة من صفاته الجوهرية يوماً ما، ولن يطر على جوهره أي تغيير.  ولن يصبح أقل استحقاقاً للقب الله.  أما الملائكة فيعتريهم ما يعتري كل مخلوق من عوامل التغير.  وهم محكومون للمحدودية بصفتهم مخلوقين.

 

يجلس عن يمين الله مخدوماً من الملائكة 

ثم يمضي الوحي قائلاً: "لمن من الملائكة قال قط: ’اجلس عن يميني حتى أجعل أعداءك موطئاً لقدميك‘؟  أليس جميعهم أرواحاً خادمةً مرسلةً للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص؟"عبرانيين 1: 13-14.  نحن هنا أمام صورة قريبة من تلك التي بدأنا بها حلقتنا.  فالابن يجلس على يمين الله مخدوماً من الملائكة.  وهو يرسلهم لخدمة أولاده المؤمنين به.  ويتعهد الله هنا بأن يذل كل من يناصب المسيح العداء.  ولن ينجح أعداء الإيمان بالمسيح لأن الله نفسه يقف ضدهم.

 

الملائكة ملائكته 

وفي مكان آخر يوصف الملائكة بأنهم ملائكة يسوع نفسه.  فبدلاً من القول إن الملائكة هم ملائكة الله، يقول الوحي إنهم ملائكة ابن الإنسان، أي ملائكته.  فقد قال المسيح نفسه إنه في يوم الدينونة "يرسل ابن الإنسان ملائكته فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلي الشر، ويطرحونهم في أتون النار.  هناك يكون البكاء وصرير الأسنان."*ويصف الوحي  الملائكة في موضع آخر بأنهم ملائكة قوة يسوع.  إذ يتحدث في رسالته إلى مؤمني تسالونيكي 2 تسالونيكي 1: 7  عن العقاب الذي سيلقاه كل من يضطهد المؤمنين به "عند استعلان الرب يسوع من السماء مع ملائكة قوته.  وهذه طريقة خرى واضحة للقول إن المسيح هو رب الجنود أو رب الصباؤوت, حيث إن الملائكة هم جنود الله.

 

سلطة المسيح شخصية ومباشرة  

وتختلف أيضاً سلطة الملائكة عن سلطة المسيح.   فالملائكة تحتكم إلى سلطة الرب أو المسيح في طرد إبليس مثلاً.  يقول يهوذا, رسول المسيح وأخو يعقوب بوحي الله في يهوذا 9 :"وأما ميخائيل رئيس الملائكة, فلما خاصم إبليس محاجاً عن جسد موسى, لم يجسر أن يورد حكم افتراء, بل قال:لينتهرك الرب."  وأما المسيح فكان يطرد إبليس بنفسه دون حاجة إلى الاستعانة بسلطان أحد آخر, لأنه هو الرب الذي يستعان به ويعترف بسلطانه.  قال له في نهاية تلك التجربة, " اذهب يا شيطان!" متى 4: 10  وكان من الطبيعي أن يمتثل إبليس لأمره فوراً.  تقول كلمة الله بعد ذلك,"ثم تركه إبليس, وإذا ملائكة قد جاءت فصارت تخدمًه."متى 4: 11

 

فرق هائل في الحكمة 

ويخبرنا الوحي الإلهي أن الملائكة ليسوا كائنات كاملةً.  "فالله"إلى ملائكته ينسب حماقة." أيوب 4: 18  أما المسيح فيقال عنه إنه "المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم."كولوسي 2: 3  فلا توجد حكمة أو معرفة حقيقية خارج المسيح.  ولهذا فإن على طالب الحكمة أن يبقى قريباً من منابعها, أي المسيح.

 

 يوحنا المعمدان ملاك!

لكن إذا أردنا أن نصدق أن تعبير "الملاك" يعني في سياق ما "المرسل", فهل نجد لهذا دعماً في الكتاب المقدس؟ يقتبس السيد المسيح نفسه آيةً من العهد القديم يقول إنها تشير إلى يوحنا المعمدان. يقول الحق, "هذا هو الذي كتب عنه: ها أنا رسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيئ طريقك قدامك."لوقا 7: 27  ولهذا الاقتباس من الإصحاح الثالث من سفر ملاخي دلالته.  يقول,"هاأنذا أرسل ملاكي فيهيئ الطريق أمامي.  ويأتي بغتةً إلى هيكله السي الذي تطلبونه, وملاك العهد الذي تسرون به. هوذا يأتي, قال رب الجنود."

 المتحدث هنا هو الرب يهوه نفسه الذي يصف نفسه أيضاً بأنه رب الجنود. وهو يقول هنا إنه سيرسل ملاكه أمامه, أي قبله.  فهو ينوي المجيء بنفسه إلينا, ويريد شخصاً يعد له الطريق. وهذا الشخص أو الملاك هو يوحنا المعمدان حسب ما يؤكد المسيح.  ثم يمضي الرب يهوه قائلاً بلغة المفرد الغائب إن الذي سيأتي هو السيد, وهو لقب آخر للرب يهوه, أي الله.  وهذا واضح تماماً من قوله إنه سيأتي إلى هيكله. فالهيكل هو هيكل الله الذي طالما اشتاق بنو إسرائيل أن يعود إلى الهيكل الذي تركه. وبعد ذلك يعطي تعريفاً آخر وصفةً أخرى لهذا الرب الذي سيأتي,أي المسيح, حيث يضيف قائلاً إنه ملاك العهد, أي نفس ذاك الذي يقطع العهود مع البشر.  ويلقي هذا ضوءاً ساطعاً جداً على هوية المسيح الإلهية.  فلقد جاء يوحنا المعمدان ليعد الطريق أمام الله نفسه.  وهذه هي الخلاصة التي أراد السيد المسيح لليهود أن يصلوا إليها.      

 

هل المرسل أدنى من المرسل

أما الأمر الثاني الذي يجب حسمه فهو ما يلي: إن كان المسيح مرسلاً من الله كملاك الله، أفلا يعني هذا أنه أدنى من الله؟  أليسً المرسل أعظم من المرسل؟  لنتحدث عن طبيعة الإرسال.  إن كان هنالك أدنى أو أعلى ضمن الذات الإلهية في ما يتعلق بالإرسال، فإنه في مجال الوظيفة أو الدور، لا في مجال الجوهر والمركز.  فهو إرسال يتم ضمن المشاورات الأزلية ضمن أقانيم اللاهوت الواحد.  ولا يوجد من يرسل رغماً عنه أو دون رضاه أو دون اشتراك في اتخاذ القرار.  وربما يمكننا أن نتحدث في هذا المجال عن إرسال متبادل بين المسيح وبين الروح القدس.  يقول إشعياء النبي على لسان السيد المسيح: "منذ وجوده أنا هناك.  والآن السيد الرب أرسلني وروحه."إشعياء 48: 16.

 

يرسل الرب والروح المسيح 

لنلاحظ أن المتكلم هنا، وهو السيد المسيح، يقول إنه كان موجوداً منذ أن كان الله نفسه موجوداً.  فهو نظير الله في الأزلية.  وهذا بالضرورة ينفي أنه مخلوق منه.  ثم يقول إنه رسل من الرب ومن روح الرب في نفس الوقت.  وبطبيعة الحال فإن روح الله لا يستطيع إرسال المسيح إن لم يكن هو أيضاً أزلياً في لاهوت كامل.  فهذا وحده يعطيه الصلاحية في ذلك.  إذاً عندما جاء المسيح إلى عالمنا، كان مرسلاً من الله الآب ومن الروح القدس.  وفي العهد الجديد تنقلب الصورة.

 

المسيح يرسل الروح 

قال السيد لتلاميذه في العهد الجديد إنه سيرسل لهم الروح القدس.  يقول: "ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب، روح الحق، الذي من عند الآب ينبثق، فهو يشهد لي." يوحنا 16: 26.  ويقول أيضاً: "لكني أقول لكم الحق: إنه خير لكم أن أنطلق.  لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي.  ولكن إن ذهبت رسله إليكم."يوحنا 16: 7.  فالمسيح هنا هو الذي يرسل الروح القدس من عند الآب، بينما كان في السابق هو نفسه مرسلاً من الآب والروح القدس.  فلا يترتب هذا أن يكون الروح أعظم من المسيح عندما أرسله.  ولا يترتب أيضاً أن يكون المسيح أعظم من الروح عندما يرسله:  فكل منهما مرسل للآخر ومرسل منه.  وإنه لمن الجدير بالملاحظة أن الآب مشترك أيضاً في إرسال الروح القدس.  يقول المسيح لتلاميذه: "وأما المعزي، الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي، فهو يعلمكم كل شيء، ويذكركم بكل ما قلته لكم." يوحنا 14: 16.  وهكذا يرسل الآب الروح القدس باسم المسيح في نفس الوقت الذي يرسل فيه المسيح الروح القدس من عند الآب.  وفي هذا اشتراك وتوافق في النشاط والقصد يتسم به اللاهوت الواحد.  ولا بد لنا من أن نلاحظ هنا أن استخدام الآب لاسم يسوع كمصدر للسلطة في إرسال الروح القدس يعطي برهاناً جلياً قاطعاً أن المسيح ليس أدنى من الله الآب من حيث الجوهر والمنزلة والسلطة.

 

أسئلة الفصل التاسع

ما معنى "ملاك" في الكتاب المقدس؟

كيف يختلف المسيح عن الملائكة؟

ما معنى الإشارة إلى أن يوحنا المعمدان كان ملاكاً للرب؟

 


www.agape-jordan.com - 2005