الصفحة الرئيسية  | رسالة حب الآب اليك  |   الله و انت   |  تغيرت حياتهم  |  من هو يسوع ؟  |  كلمات شافية  |   فلم حياة السيد المسيح | اتصل بنا  

 

أزلية المسيح

الفصل الثالث

 

نتابع في هذا الفصل ما بدأناه في الفصلين الولين عن أزلية السيد المسيح ومضامينها.  وإن دل هذا على شيء، فإنما يدل على كثرة الأدلة الكتابية في العهدين القديم والجديد عليها.  فأزلية المسيح ولاهوته أمران لا يردان في موضع أو موضعين عابرين بطريقة يمكن لأحد الالتفاف حولهما.  لكنهما يواجهاننا في الغالبية العظمى من صفحات الكتاب المقدس.  ولا يترك هذا مجالاً لأحد للادعاء بالجهل.  وإن كان في قلب أحد ما شك صادقٌ مخْلص، فليطلبْ إلى الله الهادي أن يفتح عينيه وقلبه على ما هو حق.  ولنتذكرْ أن الإنسان لا يستطيع أن يعبد من لا يعرف.

 

موجود في علاقة مع الله الآب منذ الأزل

نبدأ حجتنا على أزلية المسيح بقول من فمه. خاطب السيد المسيح الله الذي أشار إليه بصفته "أبي" قائلاً: "أحببتني قبل إنشاء العالم."يوحنا 17: 24  تتحدث هذه الكلمات عن علاقة حب متبادلة مشْبعة بين الله الآب وبين السيد المسيح.  وسنعود إلى هذه المسألة لدى حديثنا عن العلاقة بين أعضاء اللاهوت الواحد.  لكن ما يهمنا الآن هو أن هذه العلاقة كانت موجودةً قبل تأسيس العالم.  وتأسيس العالم هو خلْقه بكل ما يتضمنه من مخلوقات ومادة مخلوقة وقوى وقوانين وحركة ومكان وزمان.  وماذا يمكن أن يقول العقل الموضوعي المستنير عن المسيح إنْ كان موجوداً قبل هذا كله؟  أيمكن أن يكون كائناً غير متمتع بلاهوت كامل؟

 

قبل الزمن وبعده 

ومن أقوال المسيح الخارقة التي لا بد أن تستوقف كل إنسان: "أنا هو الألف والياء، البداية والنهاية – يقول الرب الكائن والذي كان والذي يأتي، القادر على كل شيء."رؤيا 1: 8  ويقول في موضع آخر، "أنا الألف والياء، البداية والنهاية، الأول والآخر."رؤيا13:22 إننا أمام كائن فوق الزمن.  إنه قبل كل زمن وبعد كل زمن.  إنه الأول الذي لم يسبقْ وجوده وجودٌ آخر.  وهو الآخر الذي لن يحل محله أو يخْلفه كائنٌ آخر.  نحن أمام كائن أبعد من كل ماض أو مستقبل يمكن أن نتصوره.  إنه يحيط بالحياة والتاريخ.  فهو قبل الماضي وبعد المستقبل.  إنه كائنٌ أزلي أبدي.  إنه كائنٌ يمتد الماضي والحاضر والمستقبل أمامه كنقطة واحدة.  ليس عنده ماض ومستقبل.  فكل شيء حاضرٌ عنده. الماضي بخرج من عنده, والمستقبل ينتهي إليه.إنه الأول، أي بادئ البدايات، وهو الآخر لأن وجوده لا يتوقف أبداً.  فالتاريخ ينتهي عنده، ومصائر البشر تؤول إليه.  فإن كان السيد المسيح هو الذي يحد الحياة من أولها إلى آخرها، فلا يستحق منا أن نربط حياتنا به؟

 

شهادة إشعياء

إن من الجدير بالذكر أنه يوجد نصٌ مشابهٌ في العهد القديم.  إذْ يقول الله في سفْر النبي إشعياء عن نفسه: "هكذا يقول الرب ملك إسرائيل وفاديه، رب الجنود:  أنا الأول وأنا الآخر."إشعياء 6:44 ويعني هذا القول في ما يعنيه الوجود الذاتي الأزلي الأبدي.  فهل كان السيد المسيح قبل تجسده هو القائل؟  فإن لم يكن الأمر كذلك، فمعنى هذا أن ما ينطبق على الله المتكلم هنا ينطبق على المسيح.  فكلاهما هو الأول والآخر.  ويتضمن هذا أن كل منهما كاملٌ في ذاته، وأنه غير قابل في كينونته للتطور.  وسنعود إلى الصفات المشتركة بين الله الآب وبين السيد المسيح في حلْقات لاحقة.

 

كان ابن الله قبل أن يرسل إلى العالم

يتحدث الكتاب المقدس كثيراً حول إرسال الله للمسيح إلى هذا العالم.  لكنه لا يذكر في أي موضع أنه خلق المسيح.  فهذا أمرٌ يرفضه الكتاب المقدس  جملةً وتفصيلاً.  قال المسيح مثلاً، "لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم، بل ليخلص به العالم."يوحنا 17:3  ويقول بولس رسول المسيح: "ولما جاء ملء الزمان، أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة."كولوسي 17:1  إن من الواضح هنا أن ابن الله، أي المسيح، كان موجوداً بالفعل قبل وقت طويل من ولادته من امرأة.  فليست الولادة إل قناةً لإظهار ابن الله الذي تجسد في أحشاء أمه القديسة المباركة. فكان إرسال الله له هو عن طريق الولادة.  وإنه لأمرٌ ملاحظٌ على نحو واضح أن كل ما يقوله الكتاب المقدس حول هذه المسألة متوافقٌ في كل موضع ترد فيه.  فلا يوجد صوتٌ نشازٌ في هذه السيمفونية الرائعة.  يقول الرسول بولس في موضع آخر عن المسيح، "الذي هو قبْل كل شيء وفيه يقوم الكل."  هو قبل كل شيء في الوجود، لأنه بدأ كل شيء.  وهو قبل كل شيء لأن لاهوته ودوره في الخلق يعطيانه أوليةً على كل مخلوق.  ويجب على كل بشر أن يتعامل معه على هذا الأساس.  وإل فلن يكون أي منطلق آخر في التعامل معه سليماً.  إذ يجب أن ينعكس مركزه في الكون على مركزه في حياتنا.  لهذا يجب أن يكون الأول والأخير في حياتنا.  وهو أيضاً قبل كل شيء لأن الكل يقوم فيه.  ويعني هذا أنه يحفظ الكون.

 

شهادة ميخا

نعود الآن إلى مقطع سبق أن تناولناه لكي نلقي مزيداً من الضوء عليه.  سبق أن هن النبي ميخا مدينة بيت لحم متنبئاً بأنها ستكون مسقط رأس المسيح الموعود.  قال، "أما أنت يا بيت لحم فراتة، وأنت صغيرةٌ أن تكوني بين لوف يهوذا، فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطاً على إسرائيل، ومخارجه منذ القديم، منذ أيام الأزل."ميخا 2:5  يتحدث ميخا عن صغر قيمة مدينة بيت لحم بالمقارنة مع غيرها.  لكن مولد المسيح الذي سيكون ملك إسرائيل سيعطيها أهميةً خاصة.  وبالمناسبة، فإن المسيح يعطي قيمةْ كبيرةً لكل من يؤمن به، مهما كان هذا الشخص صغيراً في عيون الآخرين. فهو يجعله ابناً لله بالإيمان.  تقول هذه الآية إن أصول المسيح ليست من هذه الأرض وفي زمن الناس.  فأصوله هي منذ القديم، منذ أيام الأزل، أي السابقة لكل زمن. ويستثني هذا بصورة طبيعية أن يكون مولود بيت لحم مخلوقاً.  وإن من المثير للاهتمام أن النبي حبقوق في العهد القديم أيضاً يستخدم نفس تعبير "منذ الأزل "للإشارة إلى الله.  يقول، "ألست أنت منذ الأزل يا رب إلهي قدوسي؟"حبقوق 12:1 وهكذا فإن أزلية الله الآب هي نفس أزلية السيد المسيح.  ويمكن أن تشير "مخارجه" إلى انطلاقه من الأزل للمباشرة في الخلْق وحفظ الكون.  وقد تتضمن أيضاً ظهوراته في العهد القديم بصفته ملاك الرب.  ويؤكد هذا لا وجوده قبل مولده في بيت لحم فحسب، بل أزليته أيضاً.

 

المسيح هو أبو الأبدية

وننتقل الآن إلى شهادة النبي إشعياء من العهد القديم.  ويتضمن السفْر المسمى باسمه نبوءات عن المسيح أكثر من أي سفر آخر.  تحدث إشعياء مثلاً بلسان الله عن ابن أزلي سيولد لله في الزمن.  يقول:  "لأنه يولد لنا ولدٌ ونعطى ابناً. وتكون الرياسة على كتفه، ويدعى اسمه عجيباً، مشيراً، إلهاً قديراً، أباً أبدياً، رئيس السلام، لنمو رياسته وللسلام لا نهاية على كرسي داود وعلى مملكته، ليبنيها ويعضدها بالحق والبر، من الآن إلى الأبد."إشعياء 9 : 6-7  يهمنا الآن أمران في هذا المقطع الذي سنتناوله لاحقاً بتفصيل أكبر.  أولاً، تطلق هذه الآية على المسيح قبل قرون كثيرة من مولده ألقاباً مقصورةً على الله.  فهو عجيبٌ ومشيرٌ، وهو الله القدير، وهو آبٌ أبدي.  ويمكن ترجمة التعبير المستخدم "أباً أبدياً" إلى "أبي الأبدية".  ويعني هذا أنه "مالك الأبدية".  ويأتي هذا الاستخدام وفق العادة المتبعة في اللغتين العبرية والعربية حيث يدعى صاحب الشيء أباه.  فصاحب الفهم يدعى أبا الفهم، وصاحب المعرفة أبا المعرفة، وصاحب الخير أبا الخير.  ويدعم الترجوم اليهودي الذي يتضمن إعادة صياغة مبسطة لنصوص العهد القديم هذا الأمر.  فهو يحول تعبير "أبا الأبدية" إلى "ذاك الذي يحيا إلى الأبد."  ولعل هذا من أحد الأسباب التي دعت اليهود إلى رفض قول السيد المسيح إنه سيموت ويقوم ويصعد إلى السماء.  قالوا له:  "نحن سمعْنا من الناموس أن المسيح يبقى إلى الأبد.  فكيف تقول أنت إنه ينبغي أن يرتفع ابن الإنسان؟"يوحنا 34:12  لكن ما لم يفهمْه اليهود هو أن موت جسد المسيح وصعوده لم يؤثرْ قط في ديمومة وجود المسيح الأزلي الأبدي. ويشهد بولس, رسول المسيح  أن المسيح هو "ملك الدهور"1 تيموثاوس 1: 8.

 

موجود منذ وجود الله

ويحسم النبي إشعياء المسالة برمتها حين يقول بوحي الله في الإصحاح الثامن والأربعين48:16 على لسان المسيح :" منذ وجوده أنا هناك." فالآية هذه تقول صراحةً إن السيد المسيح هو صنْو الله في الأزلية. وإذا أردنا أن نعرف هوية المتكلم هنا, ينبغي أن ننظر إلى السياقين السابق واللاحقفقبل هذا يقول المتكلم," أنا هو. أنا الأول وأنا الآخر. ويدي أسست الأرض, ويميني نشرت السماوات."12-13  أما بعد هذا الكلام فيقول كاشفاً هويته أيضاً," هكذا يقول الرب فاديك, قدوس إسرائيل."17  فالمتكلم إذاً, هو الرب الذي خلق السماوات والأرض.  وهو يقول في نفس الوقت إنه كان موجوداً منذ أن كان الله.  ولا شك أنه يشير هنا إلى الله الآب.  فلم يتقدمْ وجود الله على وجوده, بل تلازم وتزامن وجودهما. ويبين هذا أن لاهوت المسيح كان تصوراً موجوداً بقوة حتى في العهد القديم.

 

أسئلة الفصل الثالث

1. ما هما الحقيقتان اللتان يكشفهما قول المسيح لله الآب، "أحببتني قبل إنشاء العالم"؟

2.  كيف تدل نبوة ميخا عن المسيح، "مخارجة منذ القديم، منذ أيام الأزل" على لاهوت المسيح؟

3. ماذا عنى المسيح بقوله عن الله، "منذ وجوده، أنا هناك؟"

 


www.agape-jordan.com - 2005